لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي أَمَالِيهِ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ رَفَعَهُ فِيهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ: ثَبِّتْهُ لِي حَتَّى أَصِيرَ إِلَيْهِ.
عَلَى أَنَّنَا نَتَنَاوَلُ قَوْلَهُ الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ بِأَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ بِغَيْرِ بَدَلٍ إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ النِّيَّةُ كَانَ طَلَاقًا.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ فَتِلْكَ زَوْجَةٌ لِأَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ، وَتَحِلُّ لَهُ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، وَيَلْحَقُهَا ظِهَارُهُ وإيلاءه وَلِعَانُهُ وَيَصِحُّ طَلَاقُهَا بِالْكِنَايَةِ وَعَلَى بَدَلٍ، فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَالْمُخْتَلِعَةُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فِي إِنْفَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَنْهَا كَذَلِكَ فِي إِنْفَاءِ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْمُكَاتَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ إِبْرَاءٌ وَتَحْرِيرُ الْعِتْقِ يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُخْتَلِعَةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ بَقَاءَ الْمَالِ عَلَى الْمُكَاتَبِ كبقاء الرجعة على المطلقة. لأن يُعْتَقُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِي أَحْرَارٌ دَخَلَ فِي جُمْلَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَلْحَقَ الْمُكَاتَبَ الْعِتْقُ كَمَا يَلْحَقُ الرَّجْعِيَّةَ الطَّلَاقُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَتَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ نِسَائِهِ إِنْ طَلَّقَهُنَّ. وَلَا يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَلَا يَلْحَقُهَا كِنَايَةُ الطَّلَاقِ وَلَا تُطَلَّقُ لَوْ قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ، فَكَانَ إِلْحَاقُ الْمُكَاتَبِ بِالرَّجْعِيَّةِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالْمُخْتَلِعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَطَالِقٌ ثَانِيَةً وَطَالِقٌ ثَالِثَةً. فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ لِأَنَّهَا مُخْتَلِعَةٌ بِالْأُولَى فَبَانَتْ بِهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الثَّانِيَةَ طُلِّقَتِ الْأَوْلَى وَالثَّانِيَةَ وَلَمْ تَقَعِ الثَّالِثَةُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الثَّالِثَةَ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْخُلْعَ كَانَ بِالثَّالِثَةِ فَوَقَعَ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الطَّلْقَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute