كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَبْدِ يُكَاتِبَانِهِ أو أحدهما
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ حُرًّا وَلَا بَعْضًا مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ وَالِاكْتِسَابِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي سَيِّدٍ تَفَرَّدَ بكتابة بعض عبد، فلا يخلو حال بَاقِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ حُرًّا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِشَرِيكٍ فِيهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ الَّذِي كَاتَبَهُ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَاقِي الْمُكَاتَبِ حُرًّا، فَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَرْقُوقِ مِنْهُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْحُرِّيَّةُ. فَإِذَا جَازَتْ كِتَابَةُ مَنْ لَا حُرِّيَّةَ فِيهِ كَانَتْ كِتَابَةُ مَنْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ أَجْوَزَ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ مُخْتَلِفٌ وَكَسْبَهُ مُتَبَعِّضٌ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ تَارَةً بِحَقِّ حُرِّيَّتِهِ، وَلَهُ بِقَدْرِهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَيَتَصَرَّفُ لِسَيِّدِهِ تَارَةً بِحَقِّ مِلْكِهِ، وَلَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِذَا كَاتَبَ بَاقِيهِ اسْتَكْمَلَ جَمِيعَ تَصَرُّفِهِ وَكَسْبِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَكَانَ بِالْكِتَابَةِ أَحَقَّ بِهِ، فَإِذَا صَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَمَلَ تَصَرُّفُهُ، وَجَازَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِسَهْمِ الرِّقَابِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ كَمَلَ عِتْقُهُ وَتَحَرَّرَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ إِلَى الرِّقِّ أَخَذَ السَّيِّدُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِ الرِّقِّ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِ الْحُرِّيَّةِ، كَمَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ لَوْ لَمْ يُكَاتِبْهُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ مِلْكًا لِشَرِيكٍ فِيهِ، فَلَا تَخْلُو كِتَابَةُ هَذَا السَّيِّدِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فِيهِ. أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ الشَّرِيكِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ، لِمَا فِيهَا مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ، وَجَوَّزَهَا الْحَكَمُ بْنُ عُتْبَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ حِصَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْحَقُ الشَّرِيكَ فِيهِ ضَرَرٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute