[(باب اختلاف الراهن والمرتهن)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " ومعقول إذا أذن الله جل وعز بِالرَّهْنِ أَنَّهُ زِيَادَةٌ وَثِيقَةٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَلَا جُزْءًا مِنْ عَدَدِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَهَذِهِ جُمْلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ وَشَرْحٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ وَمَعْقُولٌ فَيَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ وَثِيقَةً بِنَصِّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا عُقِلَ اسْتِنْبَاطًا مِنْ إِبَاحَتِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُلِّ مَوْضِعٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ مَعْقُولَ الشَّرْعِ، لَا مَعْقُولَ الْبَدِيهَةِ وَالْعَقْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْنِ فَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ زِيَادَةٌ وَثِيقَةٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ، وَقَوْلُهُ زِيَادَةٌ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] وَكَقَوْلِهِ: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] وَقِيلَ: بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ وَثِيقَةٌ حَقِيقَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ صِلَةً، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ زِيَادَةٌ وَثِيقَةٌ عَلَى الذِّمَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ زِيَادَةٌ مَعَ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ وَثِيقَةٌ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ، ثُمَّ عَقَّبَهَا بِإِبَاحَةِ الرَّهْنِ الَّذِي هُوَ وَثِيقَةٌ، فَصَارَ الرهن وثيقة زايدة مَعَ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ لَيْسَ الْحَقَّ بعينه ولا جزء مِنْ عَدَدِهِ فَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى أبي حنيفة فِي إِيجَابِهِ ضَمَانَ الرَّهْنِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقِيمَةِ أَوِ الْحَقِّ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ هُوَ الْحَقَّ بِعَيْنِهِ وَلَا جزء مِنْ عَدَدِهِ فَلِمَ أُبْطِلَ الْحَقُّ بِتَلَفِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَقَّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ أَبْرَأَ الرَّاهِنَ ومِنَ الرَّهْنِ بَرِئَ مِنْهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنَ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْحَقَّ بِعَيْنِهِ لَكَانَ إِذَا بَرِئَ مِنْهُ بَرِئَ مِنَ الْحَقِّ.
وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا جُزْءًا مِنَ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْقَرْضِ ولو كان جزءا منه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute