فَجُمِعَ بَيْنِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ وَأُخِذَ نِصْفُهَا فَكَانَ سِتَّةَ دَوَانِيقَ، فَعَادَلَتْ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ؛ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَمَتَى زِدْتَ على الدراهم ثَلَاثَةَ أَسِبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا، وَمَتَى نَقَصَتْ مِنَ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارٍ كَانَ دِرْهَمًا فَهَذَا هُوَ المثقال عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإلى وقتنا هذا، فَإِنْ أَحْدَثَ النَّاسُ مِثْقَالًا يَزِيدُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقِصُ مِنْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ بِهِ.
وَأَمَّا نَوْعُ الدينار فهو الأغلب مما يتعامل به من خير الدنانير وخلاصها سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَاهَا سِعْرًا أَوْ أَدْنَاهَا، وَهُوَ مختلف بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَمَا يُحْدِثُهُ النَّاسُ فِي زَمَانٍ بَعْدَ زَمَانٍ فَيُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ دَنَانِيرِ الْبَلَدِ من زَمَانِ السَّرِقَةِ، فَلَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ دِينَارَانِ أَعْلَى وأدنى وكلاهما خلاص جاز وفيما تُقَوَّمُ بِهِ السَّرِقَةُ مِنْهُمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالْأَدْنَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ.
وَالثَّانِي: بِالْأَعْلَى إِدْرَاءً لِلْقَطْعِ بِالشُّبْهَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وَزْنِهِ وَنَوْعِهِ لَمْ يَخْلُ الْمَسْرُوقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا، أَوْ غَيْرَ ذَهَبٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِالذَّهَبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فإن كَانَ ذَهَبًا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أن يكون مَطْبُوعَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ فِي الْأَغْلَبِ فَيُقْطَعُ فِي رُبُعِ مِثْقَالٍ مِنْهَا.
وَالْقِسْمُ الثاني: أن يكون تمراً مَعْدِنِيًّا لَا يَخْلُصُ ذَهَبُهُ إِلَّا بِالتَّصْفِيَةِ وَالسَّبْكِ، فَيُعْتَبَرُ فِي سَرِقَتِهِ مَا عَادَلَ رُبُعَ دِينَارٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ الْمَطْبُوعَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رُبُعُ مِثْقَالٍ مِنْهُ لِنُقْصَانِهِ فِي الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ عَنْهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا خَالِصًا أَوْ مَطْبُوعًا لَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ أَوْ كَسْرًا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي رُبُعِ مِثْقَالٍ منه وإن نقص عن قِيمَةُ الْمَطْبُوعِ اعْتِبَارًا بِجِنْسِهِ وَوَزْنِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا فِيمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ مِنْ مَطْبُوعِ الذَّهَبِ اعْتِبَارًا بِمَا يُرَاعَى من الأثمان والقيم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَا يُقْطَعُ إِلَّا مَنْ بَلَغَ الِاحْتِلَامَ مِنَ الرجال والحيض مِنَ النِّسَاءِ أَوْ أَيُّهُمَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ أَوْ لَمْ تَحِضْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا يَجِبُ الْقَطَعُ إِلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ،