للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْأَوْلَى بِالْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَعِيدَ مِنْهُ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ وَيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا ثَانِيًا إِلَى الْقَاضِي الثَّالِثِ.

فَإِنْ لَمْ يَسْتَعِدْهُ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا بِهَذَا الْحُكْمِ إِلَى فُلَانٍ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَتَوَصَّلَ بِالْكِتَابَيْنِ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحَقِّ حَقَّيْنِ.

فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ خَصْمِي فِي بَلَدِ كَذَا وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَسَأَلَ كِتَابَيْنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَهُمَا، وَكَانَ الْقَاضِي بَيْنَ خِيَارَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَطْلُوبُ، لِيَتَنَجَّزَ بِهِ الطَّالِبُ كِتَابَ ذَلِكَ الْقَاضِي، إِنْ خَرَجَ الْمَطْلُوبُ إِلَى غَيْرِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا مُرْسَلًا إِلَى مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ كِتَابُهُ مِنْ سَائِرِ الْقُضَاةِ.

وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفِ الطَّالِبُ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْمَطْلُوبُ، كَتَبَ لَهُ الْقَاضِي كِتَابًا مُطْلَقًا يُعْلِمُ بِهِ جَمِيعَ الْقُضَاةِ، فَأَيُّ قَاضٍ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي بَلَدِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَهُ وَيَحْكُمَ بِهِ.

وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي لِلطَّالِبِ كِتَابًا وَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ ضَاعَ، كَتَبَ لَهُ غَيْرَهُ عَلَى مِثْلِ نُسَخِهِ لَا يَتَغَيَّرُ فِي لَفْظٍ وَلَا مَعْنًى، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ كَانَ تَنَجَّزَ غَيْرَهُ بِمِثْلِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ لِئَلَّا يَتِمَّ بِالْكِتَابَيْنِ احْتِيَالٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ:

إِمَّا بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ لِيَكُونَ الثَّانِي مُسْتَوْفِيًا، وَإِمَّا بِثُبُوتِ الْحَقِّ، لِيَكُونَ الثَّانِي حَاكِمًا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فِي مُكَاتَبَةِ الْقَاضِي لِلْأَمِيرِ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مُكَاتَبَةِ أَمِيرِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْخَصْمُ الْمَطْلُوبُ، أَوِ الْمِلْكُ الْمَحْكُومُ بِهِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ.

وَلَا يَكْتُبُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَأَمْضَاهُ، لِيَكُونَ الْأَمِيرُ مُسْتَوْفِيًا لَهُ وَلَا يَكُونُ حَاكِمًا بِهِ لِأَنَّ الْحُمَاةَ وَالْأُمَرَاءَ أَعْوَانٌ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَلَيْسُوا بِحُكَّامٍ فِيهَا، بِخِلَافِ الْقُضَاةِ الْمَنْدُوبِينَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَالْأَحْكَامِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمُكَاتَبَةُ الْقَاضِي لِلْأَمِيرِ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ مِلْكِ الطَّالِبِ فِي بَلَدِهِ، لِيُمَكِّنَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَيَرْفَعُ عَنْهُ يَدَ مَنْ سُوَاهُ، فَهَذَا يَجُوزُ إِذَا أَمِنَ عُدْوَانَ الْأَمِيرِ.

فَلَوْ كَانَ لِبَلَدِ الْمِلْكِ أَمِيرٌ وَقَاضٍ، كَانَتْ مُكَاتَبَةُ الْأَمِيرِ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَةِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِالْيَدِ أَخَصُّ، مَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْقَاضِي فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ، لِيَسْتَوْفِيَهُ لِلطَّالِبِ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بِهِ الأمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>