وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْخَرَاجِ فَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنِ اخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْجَمْعِ بينهما.
فَصْلٌ
: فَلَوِ ابْتَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَبَدَا صَلَاحُهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا زَكَاةٌ، لِأَنَّهَا مِلْكُ ذِمِّيٍّ، فَلَوِ ابْتَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، لِأَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِهَا سابق لملكه.
[مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وما زاد مما قل أو كثر فبحسابه ".]
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ، قَلِيلًا كَانَ الزَّائِدُ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرَ " فَاقْتَضَى عُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَلَمَّا اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بَقِيَ مَا زَادَ عَلَيْهَا عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ عَفْوَ الزَّكَاةِ عَفْوَانِ أَحَدُهُمَا فِي ابْتِدَاءِ الْمَالِ لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الزَّرْعِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ، فَثَبَتَ أَحَدُ الْعَفْوَيْنِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ، وَسَقَطَ الْعَفْوُ الثَّانِي لِفَقْدِ مَعْنَاهُ.
: إِذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا أَحْوَالًا، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَلَى مَالِكِهَا الْعُشْرُ فِي كُلِّ عَامٍ كَالْمَوَاشِي وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرَ " فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ نَفْيَ ما سوى العشر؛ لأن اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ إِيجَابَ عُشْرِهِ بِحَصَادِهِ وَالْحَصَادُ لَا يَتَكَرَّرُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُشْرُ أَيْضًا لَا يَتَكَرَّرُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ، وَمَا ادُّخِرَ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مُنْقَطِعُ النماء معرض للنفاد وَالْفَنَاءِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْأَثَاثِ وَالْقُمَاشِ وفارق المواشي والورس التي هي مرصدة للنماء والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute