وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ كَفَّيْهِ أَوْ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ حَتَّى يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حِينَ تَمَضْمَضَ أَوِ اسْتَنْشَقَ أَصَابَ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهِ فَيُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَاوِيًا عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ: فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، أَوِ الطَّهَارَةَ لِفِعْلِ مَا لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُغْتَسِلًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُتَيَمِّمًا.
فَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْحَدَثَ فِي نِيَّتِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ نَوَى رَفْعَ جَمِيعِهَا، أَوْ رَفْعَ أَحَدِهَا، وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَانِعُ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِذَا نَوَى رَفْعَهُ زَالَ مَا كَانَ مَانِعًا مِنَ الصَّلَاةِ وَأَجْزَأَهُ.
فَلَوْ كَانَ بِهِ حَدَثَانِ حَدَثٌ مِنْ بَوْلٍ وَحَدَثٌ مِنْ نَوْمٍ فَنَوَى رَفْعَ أَحَدِهِمَا ارْتَفَعَا مَعًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ أَحَدِهِمَا مَعَ ارْتِفَاعِ الْآخَرِ، فَلَوْ نَوَى رَفْعَ أَحَدِهِمَا عَلَى أَلَّا يَرْفَعَ الْآخَرَ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ وَارْتِفَاعِ حَدَثِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُضُوءَهُ بَاطِلٌ وَحَدَثَهُ بَاقٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ فِي نِيَّتِهِ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فَفَسَدَتِ النِّيَّةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ وُضُوءَهُ صَحِيحٌ وَحَدَثَهُ مُرْتَفِعٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى رَفْعَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى حُكْمًا، فَبَطَلَ الشَّرْطُ، فَلَوْ كَانَ بِهِ حَدَثٌ مِنْ بَوْلٍ لَا غَيْرَ فَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مِنْ نَوْمٍ وَلْمٍ يَكُنْ قَدْ أَحْدَثَ عَنْ نَوْمٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ تَغْيِيرَ النِّيَّةِ عَنِ الْحَدَثِ لَا يَلْزَمُ، وَالنَّوْمُ حُدُوثٌ فَصَارَ نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثِ.
وَإِنْ كَانَ مُغْتَسِلًا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نِيَّتِهِ الْأَكْبَرَ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ نِيَّتَهُ تَنْصَرِفُ إِلَى حَدَثِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ بِهِ حَدَثَانِ أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ فَاغْتَسَلَ فَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ هَلْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالْحَدَثِ الْأَكْبَرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَ حُكْمُهُ فَعَلَى هَذَا يُجْزِئُهُ غُسْلُهُ عَنْ حَدَثِهِ الْأَكْبَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ غُسْلُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدَثَيْنِ لِامْتِيَازِهِمَا وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ يُحْتَمَلُ التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ عَيَّنَ النِّيَّةَ فَنَوَى غسل