للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِسْلَامِ وَإِلَى نُصْرَتِهِ فَرَدُّوهُ رَدًّا قَبِيحًا، وَأَغْرَوْا بِهِ عَبِيدَهُمْ، وَسُفَهَاءَهُمْ فَاتَّبَعُوهُ يَرْمُونَهُ بِالْأَحْجَارِ، حَتَّى دَمِيَتْ قَدَمَاهُ فَرَجَعُوا عَنْهُ وَمَالَ إِلَى حَائِطٍ لِعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهِ، لِيَسْتَرْوِحَ مِمَّا نَالَهُ، فَرَآهُ عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، فَرَقَّا لَهُ بِالرَّحِمِ مِمَّا لَقِيَ، وَأَنْفَذَا إِلَيْهِ طَبَقَ عِنَبٍ مَعَ غُلَامٍ لَهُمَا نَصْرَانِيٍّ، يُقَالُ لَهُ " عَدَّاسٌ " فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ لِيَأْكُلَ مِنْهُ سَمَّى اللَّهَ فَاسْتَخْبَرَهُ " عَدَّاسٌ " عَنْ أَمْرِهِ فَأَخْبَرَهُ وَعَرَفَ نُبُوَّتَهُ، فَقَبَّلَ يَدَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ، فَلَمَّا عَادَ " عَدَّاسٌ " إِلَى عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، فَقَالَا لَهُ: رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ مَعَهُ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ مَعَنَا، قَالَ: لِأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَا: فَتَنَكَ عَنْ دِينِكَ ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيدُ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا صَارَ بِنَخْلَةِ الْيَمَامَةِ فَقَامَ فِي اللَّيْلِ يُصَلِّي، وَيَقْرَأُ، فَمَرَّ بِهِ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنَ الْجِنِّ قِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ الْيَمَنِ فَاسْتَمَعُوا لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إِلَى مَا سَمِعُوا، فَكَانَ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: ٢٩] .

وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَّةَ وَقُرَيْشٌ عَلَى أَشَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، وَفِرَاقِ دِينِهِ

وَقِيلَ: إِنَّهُ دَخَلَ فِي جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ

(فَصْلٌ)

: فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَذَى بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ عَادَ مِنَ الطَّائِفِ غَيْرَ ظَافِرٍ مِنْهُمْ بِإِجَابَةٍ عَرَضَ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَبَدَأَ بِكِنْدَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوهُ، ثُمَّ أَتَى كَلْبًا، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوهُ، ثُمَّ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ، فَكَانُوا أَقْبَحَ الْعَرَبِ رَدًّا لَهُ

ثُمَّ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ زَعِيمُهُمْ: إِنْ شَارَكَتْنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ قَبِلْنَاكَ فَتَرَكَهُمْ، وَقَالَ: " الْأَمْرُ لِلَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ " ثُمَّ حَضَرَ الْمَوْسِمَ سِتَّةُ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَجَابُوا إِلَيْهِ وَكَانُوا قَدْ سَمِعُوا يَهُودَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ، إِذَا قَاتَلُوهُمْ: لَنَا نَبِيٌّ يُبْعَثُ، وَنَحْنُ نَنْتَصِرُ بِهِ عَلَيْكُمْ فَوَقَرَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى، بِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ، فَلِذَلِكَ سَارَعُوا إِلَى الْإِجَابَةِ في دُعَائِهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالُوا: نَقْدَمُ عَلَى قَوْمِنَا، وَنُخْبِرُهُمْ بِمَا دَخَلْنَا فِيهِ فَلَمَّا عَادُوا وَذَكَرُوا لَهُمْ مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَافَى إِلَى الْمَوْسِمِ مِنَ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ تسعة من الخزرج، وهو أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>