الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ شَرِيكًا فَالشَّرِيكُ لَا يَدْفَعُهُ الْغُرَمَاءُ عَنْ شَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا فَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَالِ كَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ لَا يُزَاحِمُهُ الْغُرَمَاءُ فِي رَهْنِهِ.
وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْمَرِيضُ مَالًا قِرَاضًا صَحَّ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلِّ السَّهْمَيْنِ مِنَ الرِّبْحِ، وَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لِأَنَّ قَلِيلَ الرِّبْحِ كَسْبٌ وَلَيْسَ بِإِتْلَافٍ.
فَصْلٌ
: يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِ الطِّفْلِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِهِ قِرَاضًا إِذَا رَأَى ذَلِكَ حَظًّا وَصَلَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَثْمِيرِ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْقِرَاضَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِدَ بِمَالِ الْيَتِيمِ مَعَ نَفْسِهِ، وَيَجُوزَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقَارِضَ بِالْمَالِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ العبد مقصورعلى إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا قِرَاضًا لِأَنَّ الْإِذْنَ مَقْصُورٌ عَلَى التِّجَارَةِ بِمَالِ سَيِّدِهِ.
فَأَمَّا السَّفِيهُ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ لَا عَامِلًا وَلَا ذَا مَالٍ لِفَسَادِ عقوده.
[مسألة]
قال المزني رحمه الله تعالى: " وَإِنِ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَالَ الْعَامِلُ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي بِمَالِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ فِي الْقِرَاضِ بِمَالِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ مدعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ لِنَفْسِكَ وَفِيهِ خسرانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مصدقٌ فِيمَا فِي يَدَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا كَانَ بِيَدِ الْعَامِلِ عَبْدٌ قَدْ ظَهَرَ فِي مِثْلِهِ فَضْلٌ، فَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ مُشْتَرًى مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَقَالَ الْعَامِلُ بَلِ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي، أَوْ قَالَ الْعَامِلُ وَفِي الْعَبْدِ خُسْرَانٌ إِنَّنِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلِ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِكَ فَالْقَوْلُ فِي الْحَالَيْنِ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْقِرَاضِ، وَلَا يَتَمَيَّزَ مَا بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَزِمَ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ أَقَامَ رَبُّ الْمَالِ بَيِّنَةً بِخِلَافِهِ فَهِيَ مُمْكِنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، وَنَحْكُمُ بِهَا عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الْبَيِّنَةُ عَلَى عَقْدِهِ أَنَّهُ عَقَدَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا مَسْمُوعَةٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى عَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْقِرَاضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْوِيَ بِالْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ فَيَبْطُلُ وَلَا يَكُونُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ.