للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجَعَلَهَا فِي صِنْفَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ - أَنْ يَأْكُلَ، وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالثُّلُثِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ} فذكر ثلاثة أصناف فاقتضى أن يكون بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وُجُوبُهَا وَاسْتِحْبَابُهَا، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الِادِّخَارَ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَأَنَّ الْهَدِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، فَأَمَّا الْأَكْلُ وَالصَّدَقَةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا جَازَ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا جَازَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللهُ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) {الحج: ٣٧) . فَجَعَلَ مَقْصُودَهَا التَّقْوَى بَعْدَ الْإِرَاقَةِ دُونَ الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ أَكَلَ أَكْثَرَهَا كَانَ جَمِيعُهَا أُضْحِيَّةً كَذَلِكَ إِذَا أَكَلَ جَمِيعَهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ -: أَنَّ الْأَكْلَ وَالصَّدَقَةَ وَاجِبَانِ، فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى:: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الْفَقِيرَ} فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَمَرَ بِهِمَا فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِمَا وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحَرَ فِي حَجِّهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَأْتِيَهُ مَنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مَعَ كَثْرَتِهَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ أَكْلِهِ مِنْهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: - وَهُوَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا - أَنَّ الْأَكْلَ مُسْتَحَبٌّ وَالصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} فَجَعَلَهَا لَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَيْنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَكْلَنَا مِنْهَا مُبَاحٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْإِنْسَانِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الِاسْتِبْقَاءِ وَالْإِسْقَاطِ.

وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ الْقُرْبِ بِالْأُصُولِ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ.

وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى في الضحايا: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} جَارٍ مَجْرَى قَوْلِهِ فِي الزَّكَاةِ: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) {الأنعام: ١٤١) . فأما كَانَ أَكْلُهُ مُبَاحًا وَالْإِيتَاءُ وَاجِبًا كَذَلِكَ الْأَكْلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ مُبَاحٌ وَالْإِطْعَامُ وَاجِبٌ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ حُكْمُ الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَاقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى أَحَدِهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ اقْتِصَارُهُ مِنْهَا عَلَى الصَّدَقَةِ دُونَ الْأَكْلِ فَأَطْعَمَ وَلَمْ يَأْكُلْ لَمْ يَضْمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>