للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة:]

قال الشافعي: " ولو أَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى أَخْذِهَا لَمْ يَضْمَنْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْوَدِيعَةِ.

فَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هِيَ مُصَوَّرَةٌ فِي مَالِكِ مَالٍ أَرَادَ أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ فَأَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَأَخَذَهَا الْمُسْتَوْدَعُ مِنْهُ كَرْهًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَخْذِ، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ عُدْوَانٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فَيَضْمَنُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا، فَقَدْ صَارَ حِفْظُهَا عَلَيْهِ بَعْدَ حُصُولِهَا فِي يَدِهِ واجب، فَإِذَا خَالَفَهُ ضَمِنَ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْتِزَامَ حِفْظِهَا سَلَّمَهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَسَقَطَ الْحِفْظُ وَالضَّمَانُ عَنْهُ بِتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمَالِكُ مُمْتَنِعًا مِنَ اسْتِرْجَاعِهَا.

فَصْلٌ:

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، هِيَ مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ قَبِلَ وَدِيعَةً طَوْعًا ثم تغلب عليه متغلب فأكرهه عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُتَغَلِّبُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ وَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا، فَهَذَا غَيْرُ ضَامِنٍ لَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْأَيْدِي الْغَالِبَةِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَدْفَعَهَا بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِيَ مَالَ غَيْرِهِ بِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَحْلٌ فَغَلَبَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَلْقَى فِي الْبَحْرِ مَالَ غَيْرِهِ، وَقَدْ جُعِلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الصَّائِمِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ فَأَكَلَ بِنَفْسِهِ وَتَخْرِيجًا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَوِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِمَا وَحَلَفَ إِنْكَارًا لَهَا فَإِنْ جَعَلْنَاهُ ضَامِنًا لِلدَّفْعِ كَانَتْ يَمِينُهُ يَمِينَ مُكْرَهٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِنْثٌ، وَإِنْ لم نجعله ضَامِنًا بِالدَّفْعِ حَنِثَ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَدْفَعُهَا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتُؤْخَذُ بِدَلَالَتِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ وَالْأَخْذَ مُبَاشَرَةٌ، فَصَارَ كَالْمُحْرِمِ إِذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ مَمْنُوعٌ مِنَ العدوان والتفريط وَالدَّلَالَةُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَضَمِنَ بِهَا وَإِنْ كَانَ معذورا.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْقُدَ عَلَى صُنْدُوقٍ هِيَ فِيهِ فَرَقَدَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ زَادَهُ حِرْزًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا نَوْمُهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ عَنْهُ فَهُوَ زِيَادَةُ حِرْزٍ لَا يَضْمَنُ بِهِ إِجْمَاعًا، فَأَمَّا إِذَا نَهَاهُ عَنِ النَّوْمِ عَلَيْهِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِنَهْيِهِ التَّخْفِيفَ عَنْهُ وَالتَّرْفِيهَ عَلَيْهِ، فَمَتَى نَامَ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>