للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَكَى الزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَنْفُخَ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ فِي الْجَدِيدِ، فَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ نَصِّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّ نَفْخَ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَرَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَنَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ عَلَى اسْتِحْبَابِ نَفْخِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَا عَلِقَ بِيَدِهِ مِنَ التُّرَابِ كَثِيرٌ، فَكَانَتِ السُّنَّةُ فِي نَفْخِهِمَا لِيَقِلَّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي وَجْهِهِ مِنَ الْغُبَارِ فَلَا يَصِحُّ وَنَصُّهُ فِي الجديد على استحباب عَلَى تَرْكِ الِاسْتِحْبَابِ لِنَفْخِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَا عَلِقَ بِيَدِهِ مِنَ التُّرَابِ غُبَارٌ قَلِيلٌ إِنْ نَفَخَهُمَا لَمْ يُبْقِ فِيهِمَا شَيْئًا يَسْتَعْمِلُهُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَدَدِ ضَرَبَاتِ التُّرَابِ وَصِفَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ بِالضَّرْبَةِ الْأُولَى وَجْهَهُ بِكَفَّيْهِ مَعًا، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَعْلَى وَجْهِهِ كَالْوُضُوءِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَسْتَعْلِي لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْعُضْوِ إِذَا اسْتَعْلَى بِهِ انْحَدَرَ بِطَبْعِهِ فَعَمَّ جَمِيعَ وَجْهِهِ، وَالتُّرَابُ لَا يَجْرِي عَلَى الْوَجْهِ إِلَّا بِإِمْرَارِهِ بِالْيَدِ فَيَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ لِيَقِلَّ مَا يَحْصُلُ فِي أَعْلَاهُ مِنَ الْغُبَارِ لِيَكُونَ أَجْمَلَ وَأَسْلَمَ لِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ لِذِرَاعَيْهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَيَمْسَحُ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى بِكَفِّهِ الْيُسْرَى فَيَبْدَأُ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ لَا يَخْتَلِفُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا فِيهِ فَيَضَعُ ظَاهِرَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى بُطُونِ أَصَابِعِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُمِرُّ بُطُونَ أَصَابِعِ كَفِّهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى وَظَاهِرِ ذِرَاعِهِ إِلَى مِرْفَقِهِ ثُمَّ يُدِيرُ بَاطِنَ رَاحَتِهِ عَلَى بَاطِنِ ذِرَاعَيْهِ، وَيُمِرُّهَا إِلَى كُوعِهِ ثُمَّ بَاطِنِ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إِبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَمْسَحُ ذِرَاعَهُ الْيُسْرَى بِكَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى مَا وَصَفْنَا فَهَذِهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ ظَاهِرَ ذِرَاعِهِ بِجَمِيعِ كَفِّهِ إِلَّا بَاطِنَ إِبْهَامِهِ ثُمَّ يُدِيرُ بَاطِنَ إِبْهَامِهِ عَلَى بَاطِنِ ذِرَاعِهِ، وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ تَعْدِيلًا بَيْنَ ظَاهِرِ الذراع وباطنها.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَسْحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْغُبَارَ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَمِيعِهَا، فَلَمْ يَلْزَمْ مَسْحُهَا كَالْمَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ جارٍ بِطَبْعِهِ فَيَصِلُ إِذَا جرى

<<  <  ج: ص:  >  >>