للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وسواء قال زنت أو رأيتها تزني أو يَا زَانِيَة كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ: كُلُّ قَذْفٍ أَوْجَبَ الْحَدَّ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ كَانَ قَذْفًا يَجُوزُ بِهِ اللِّعَانُ مِنَ الزَّوْجَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَقَوْلِهِ: رَأَيْتُهَا تَزْنِي، أو كان بغير لفظ الشهاد كَقَوْلِهِ: قَدْ زَنَتْ، أَوْ يَا زَانِيَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ إِلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ إِنْ كَانَتْ حَائِلًا، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ وَالْعَجْلَانِيَّ قَذَفَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ هِلَالٌ: رَأَتْ عَيْنِي وَسَمِعَتْ أُذُنِي. فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، فَكَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى سَبَبِهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ كَالشَّهَادَةِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَوُجُوبِ حَدِّ الزنا عليه، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِيهَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَالشَّهَادَةِ.

وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزواجهم} الْآيَةَ، فَاقْتَضَى حُكْمُ الْعُمُومِ أَنْ يَصِحَّ اللِّعَانُ مِنْ كُلِّ رَامٍ لِزَوْجَتِهِ، فَإِنْ قَالُوا: اللَّفْظُ الْعَامُّ وَارِدٌ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ. وَالِاعْتِبَارُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، قِيلَ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ عِنْدَنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا وَلَا حُكْمَ ثُمَّ وَرَدَ اللَّفْظُ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا وُجِدَ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُوجَدِ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ إِنَّمَا يَقَعُ بِمَا يُنَافِي اللَّفْظَ وَلَا يَقَعُ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالسَّبَبُ مُوَافِقٌ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا، وَلِأَنَّ كُلَّ قَذْفٍ صَحَّ بِهِ اللِّعَانُ إِذَا كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، صَحَّ بِهِ اللِّعَانُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ كَالْحَامِلِ، وَلِأَنَّ كُلَّ قَذْفٍ صَحَّ بِهِ لِعَانُ الْحَامِلِ صَحَّ بِهِ الْحَائِلُ قِيَاسًا عَلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ. وَلِأَنَّ لِعَانَ الْأَعْمَى صَحِيحٌ وَإِنِ اسْتَحَالَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ اللِّعَانِ بِكُلِّ قَذْفٍ وَجَبَ بِمِثْلِهِ الْحَدُّ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّوْجَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا غَيْرَ ذَاتِ حَمْلٍ فَيَنْقَسِمُ حَالُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: يَجُوزُ أَنْ يَقْذِفَهَا وَيُلَاعِنَ منها وذلك في أربعة أَحْوَالٍ:

إِمَّا أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، وَإِمَّا أَنْ تُقِرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِزِنَاهَا ثِقَةٌ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ. وَإِمَّا أَنْ يَسْتَفِيضَ فِي النَّاسِ أَنَّهَا تَزْنِي وَيَرَى مَعَ هَذِهِ الِاسْتِفَاضَةِ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فِي أَوْقَاتِ الرِّيَبِ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ صِدْقُ الِاسْتِفَاضَةِ فَيَجُوزُ لَهُ فِي هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>