للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُرَيْرَةَ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الْجُمُعَةَ وَمَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْهَا صَلَّاهَا ظُهْرًا ".

وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ". وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الْجُمْعَةِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، أَصْلُهُ الْإِمَامُ إِذَا انْفَضُّوا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً. وَقَالَ أبو حنيفة - وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِنَا -: يَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا " فَهُوَ أَنْ يُقَالَ وَقَدْ رُوِيَ " وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ حُجَّةً عَلَيْنَا فَالتَّمَامُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، فَيَسْقُطَانِ جَمِيعًا، أَوْ يُسْتَعْمَلَانِ مَعًا، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَاقْضُوا " إِذَا أَدْرَكُوا رَكْعَةً، وَ " أَتِمُّوا " إِذَا أَدْرَكُوا دُونَ الرَّكْعَةِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّكْعَةِ: فَالْمَعْنَى فِي إِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ: أَنَّهَا مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى صَلَاةِ الْمُسَافِرِ خَلْفَ الْمُقِيمِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّمَامَ خَلْفَ للمقيم لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ إِدْرَاكُ مَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالْجُمْعَةُ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، فَاعْتُبِرَ فِي إِدْرَاكِهَا إِدْرَاكُ مَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي جَمَاعَةٍ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ يَنْتَقِلُ مِنْ إِسْقَاطٍ إِلَى إِيجَابٍ، وَمِنْ نُقْصَانٍ إِلَى كَمَالٍ، فَكَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي الْإِدْرَاكِ سَوَاءً، كَإِدْرَاكِ آخِرِ الْوَقْتِ، وَفِي الْجُمْعَةِ يَنْتَقِلُ مِنْ إِيجَابٍ إِلَى إِسْقَاطٍ، وَمِنْ كَمَالٍ إِلَى نُقْصَانٍ، فَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَّا بِشَيْءٍ كَامِلٍ فَسَقَطَ مَا قَالُوهُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ إِدْرَاكَ الْجُمْعَةِ يَكُونُ بِرَكْعَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُدْرِكَهُ قَارِئًا فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَوْ رَاكِعًا فِيهَا، فِي أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِرَكْعَةٍ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ.

فَأَمَّا إِنْ أَدْرَكَهُ رَافِعًا مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُدْرِكٍ لِلْجُمْعَةِ، وَلَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا.

فَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، وَقَامَ فَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنَ الثَّانِيَةِ أَتَى بِهَا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَسَلَّمَ مِنْ جُمْعَةٍ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنَ الْأُولَى، كَانَتِ الْأُولَى مَجْبُورَةً بِسَجْدَةٍ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَتُبْطُلُ الثَّانِيَةُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ تَمَامَ أَرْبَعٍ، وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمَ مِنْ ظهر.

وإن شك في تَرَكَهَا مِنَ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؟ عَمِلَ عَلَى أَسْوَأِ أَحْوَالِهِ، وَأَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَهَا مِنَ الْأُولَى فَيَجْبُرَهَا بِالثَّانِيَةِ وَيَبْنِيَ عَلَى الظهر. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>