يَلْزَمْهُ بِالْفَسَادِ إِلَّا قَضَاءُ مَا أَفْسَدَ مِنَ الْحَجِّ وَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ بِالْفَوَاتِ إِلَّا قَضَاءَ مَا فَاتَ مِنَ الْحَجِّ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ وَحْدَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فِي عَامِهِ الْمُقْبِلِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ كَأَصْلِ الْحَجِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَى الْفَوْرِ فِي عَامِهِ الْمُقْبِلِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا وَلِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، فَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فِي الْقَضَاءِ كَانَ كَفَوَاتِهِ فِي الْأَوَّلِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَهِيَ عِنْدنَا وَاجِبَةٌ وَهِيَ " شَاةٌ ".
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَوْلُهُمْ لِيُهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ أَنْ يُوجِبَ الْكَفَّارَةَ كَالْفَسَادِ، فَإِذَا ثَبَتَ أن الكفارة واجبة فهي زَمَانِ وُجُوبِهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْفَوَاتِ فِي عَامِ الْفَوَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالْبَدَنَةِ فِي الْوَطْءِ، فَعَلَى هَذَا الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي عَامِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي عَامِ الْفَوَاتِ أَجْزَأَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ بِالْفَوَاتِ فِي عَامِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَعَلَى هَذَا إِنْ أَخْرَجَهَا فِي عَامِ الفوات فهي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْقَضَاءُ فِي عَامِ الْفَوَاتِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَّارَةُ فِيهِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّهَا لَا تَفُوتُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إِحْرَامِهِ مَا لَمْ يُحْصَرْ حَتَّى يُكْمِلَهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحِلَاقِ، فَأَمَّا الْقِرَانُ فَإِنَّهُ يَفُوتُ كفوات الحج، فَإِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ طَافَ وَسَعَى وَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ دَمَانِ، دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ، فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ كفوات الحج فلم يلزمه قَضَاؤُهَا بِالْفَوَاتِ كَالْحَجِّ، وَقَدْ أَكْمَلَ أَفْعَالَهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ بَيْنَهُمَا كَانَتِ الْعُمْرَةُ تَبَعًا، فَلَمَّا أَوْجَبَتِ الْفَوَاتَ قَضَى الْحَجَّ الْمَتْبُوعَ كَانَ إِيجَابُ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ التَّابِعَةِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا إِنْ قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ الْقِرَانُ عَنْهُمَا، وإن أفردهما أجزأه ذلك عنهما