للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: وَأَمَّا اغْتِسَالُ الصَّائِمِ، وَنُزُولُهُ الْمَاءَ فَجَائِزٌ، وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا فَيَغْتَسِلُ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَمَاقَلَانِ فِي الْمَاءِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْحِجَامَةُ، فَلَا تفطر الصايم، وَلَا تُكْرَهُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ يَوْمَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ برجلٍ يحتجم فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ رَوَاهُ ثَوْبَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ يَخْرُجُ مِنَ الْبَدَنِ مُعْتَادٌ، فَجَازَ أَنْ يُفْطِرَ بِهِ كَدَمِ الْحَيْضِ وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احْتَجَمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ وَلِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَائِمِ وَلِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ وَلِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ يَحْتَجِمُ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدَهُ في الحجامة فكان أنس يحتجم وهو صايم، وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يُفْطَرُ بِالْوَاصِلِ إِلَيْهِ، لَا يُفْطَرُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَصْلُهُ الْفِصَادُ، وَعَكْسُهُ الْقَيْءُ، وَأَمَّا خَبَرُهُمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ وَرَدَ عَامَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثمان وخبرنا في حجة الوداع ستة عَشْرٍ، وَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " يَعْنِي بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ كَأَنَّهُ عَلِمَ تَقَوُّمَ فِطْرِهِمَا، أَوْ رَآهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ: أَفْطَرَا بِمَعْنَى أَنَّهُ سَقَطَ ثَوَابُهُمَا، أَوْ عَلِمَ بِهِمَا ضَعْفًا عَلِمَ أَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ بِهَذَا لِأَنَّهُ ضَمَّ الْحَاجِمَ إِلَيْهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَمُنْتَقَضٌ بِالْفِصَادِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْوَاصِلَ إِلَى مَكَانِهِ يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وأكره العلك لأنه يجلب الريق ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا كَرِهْنَاهُ، لِأُمُورٍ مِنْهَا إِنَّهُ يُجَمِّعُ الرِّيقَ، وَيَدْعُو إِلَى الْقَيْءِ وَيُورِثُ الْعَطَشَ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ فَإِنْ مَضَغَهُ، وَلَمْ يَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ فهو على صومه.

<<  <  ج: ص:  >  >>