للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُرْتَهِنِ وَحْدَهُ لِيَعْلَمَ بَقَاءَهَا فَتَكُونُ عَلَى حَالِهَا فِي حُكْمِ أَصْلِهَا. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُضِيٌّ لِلْمُرْتَهِنِ وَحْدَهُ شَرْطًا فِي الْقَبْضِ دُونَ الْعَقْدِ. فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى مُضِيِّ الْمُرْتَهِنِ جَازَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الرَّاهِنِ مَعَهُ لِأَنَّهُ كَاسْتِئْنَافِ عَقْدِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ مَضَى أَحَدُهُمَا لِمُشَاهَدَتِهَا لَمْ يَصِحَّ.

وَلَوْ مَضَيَا جَمِيعًا أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمَا مِنْ نَائِبٍ أَوْ وَكِيلٍ فَشَاهَدَاهَا بَاقِيَةً فَيَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَيَسْتَأْنِفَا عَقْدَ الرَّهْنِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَقْدِ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى الْإِذْنِ فِي قَبْضِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِذْنِ. فَعَلَى هَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُشَاهَدَةُ الْوَدِيعَةِ. فَلَوْ مَرَّ عَلَيْهَا زَمَانُ الْقَبْضِ قَبْلَ مُشَاهَدَتِهَا لَمْ يصح الْقَبْضُ.

وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ بَعْدَ الْمُشَاهَدَةِ. فَعَلَى هَذَا يَتِمُّ الْقَبْضُ بِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْإِذْنُ فِي الْقَبْضِ.

وَالثَّانِي: الْمُضِيُّ إلى موضع الوديعة لمشاهدتها باقية فيه. فَإِنْ قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِذْنُ الرَّاهِنِ فِي قَبْضِهَا بَعْدَ الْمُضِيِّ لِمُشَاهَدَتِهَا. فَإِنْ أَذِنَ قَبْلَ مُشَاهَدَتِهَا لَمْ يَقَعِ الْإِذْنُ مَوْقِعَهُ، فَاحْتَاجَ إِلَى إِذْنٍ بَعْدَ مُشَاهَدَتِهَا لِيَتِمَّ بِهِ الْقَبْضُ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ مُضِيَّ الْمُرْتَهِنِ وَحْدَهُ لِمُشَاهَدَتِهَا جَائِزٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِذْنُ الرَّاهِنِ فِي قَبْضِهَا قَبْلَ الْمُضِيِّ لِمُشَاهَدَتِهَا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ مُشَاهَدَتِهَا لَمْ يَتِمَّ الْقَبْضُ حَتَّى يَمْضِيَ بَعْدَ الْإِذْنِ زَمَانُ الْقَبْضِ، فَيَتِمُّ حِينَئِذٍ الْقَبْضُ فَيَكُونُ تَقَدُّمُ الْإِذْنِ وَتَأَخُّرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي حُضُورِ الرَّاهِنِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِمَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَكُونُ الْقَبْضُ إِلَّا مَا حَضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ لَا حَائِلَ دُونَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ إِلَّا بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ.

فَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنَ فِي قَبْضِهِ لَهُ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا مِنْ نَفْسِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ عَبْدَ الرَّاهِنِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُ سَيِّدِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الرَّاهِنِ فِي قَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ عَبْدِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ ابْنَ الرَّاهِنِ أَوْ أَبَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ يَدَ الِابْنِ وَالْأَبِ لَيْسَتْ يَدًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>