للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ خُصَّ بِانْتِهَاءِ الْوَحْيِ وَخَتْمِ النُّبُوَّةَ حَتَّى لَا يَنْزِلَ بَعْدَهُ وَحَيٌّ وَلَا يُبْعَثَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ فَصَارَ خَاتَمًا لِلنُّبُوَّةِ مَبْعُوثًا إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً حَتَّى بُعِثَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بعثت إلى الأحمر والأسود " وفيه تأويلان:

أحدهما: إِلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.

وَالثَّانِي: إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ خُصَّ بِالْوَحْيِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ الَّذِي يَبْقَى إِعْجَازُهُ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ويعجز عن معارضته أهل كل عصره، وَلَيْسَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَى مَنْ قَبْلِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِعْجَازٌ يَبْقَى فَصَارَ بِهَذَا الْوَحْيِ مَخْصُوصًا.

[فصل]

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " وَأَبَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ بما فرض عليهم من طاعته " وطاعة أولي الأمر واجبة لوجوب طاعته قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُوا , الرَّسُولَ وَأُوُلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) {النساء: ٥٩) وَفِي أُولِي الْأَمْرِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمُ الْأُمَرَاءُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالثَّانِي: هُمُ الْعُلَمَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ.

وَالثَّالِثُ: هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، فَأَوْجَبَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ كَمَا أَوْجَبَ طَاعَةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَيْنَ مَوْضِعُ الْإِبَانَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ؟ وَعَنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ لِتَبَايُنِهِمْ عَنْهُ، وَقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ فَصَارَ هُوَ الْمَخْصُوصَ بِهَا دُونَهُمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاجِبَةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَطَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ مُخْتَصَّةٌ بِأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الدِّينِ فَتَمَيَّزَ عَنْهُمْ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ بَاقِيَةٌ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَطَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ مُخْتَصَّةٌ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ وَبَقَاءِ نَظَرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عَنْ خَلْقِهِ لِيَزِيدَهُ بِهَا إِنْ شاء الله تعالى قربة وَأَبَاحَ لَهُ أَشْيَاءَ حَظَرَهَا عَلَى خَلْقِهِ زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَتَبْيِينًا لِفَضِيلَتِهِ ".

وَهَذَا صَحِيحٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالرِّسَالَةِ وَفَرَضَ الطَّاعَةَ حَتَّى يُمَيَّزَ بِهِمَا عَلَى جميع المخلوقات وميزه عَنْهُمْ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَغْلِيظٌ.

وَالْآخَرُ: تَخْفِيفٌ.

فَأَمَّا التَّغْلِيظُ فَهُوَ أَنْ فَرْضُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عَنْ خَلْقِهِ، وَذَلِكَ لأمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>