للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ) {البقرة: ١٩٦) نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَصْحَابَهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أيامٍ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا يَوْمُ عَرَفَةَ فَعَلِمَ أَنَّهُمْ صَامُوا بَقِيَّةَ الثَّلَاثَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِبَعْضِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَلِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ، وَمَنَعَ مِنْ صِيَامِهِ لِلْمُتَمَتِّعِ، وَغَيْرِهِ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ بِمِنًى إِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُنَادِي، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: إِنَّهَا أَيَّامُ طعمٍ وشربٍ فَلَا يَصُومُهَا أحدٌ وَلِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَعْدَ الْأَضْحَى فَقَدَّمَ لَنَا طَعَامًا فَقُلْتُ: أَنَا صَائِمٌ فَقَالَ كُلْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَانَا عَنْ صِيَامِهَا وَأَمَرَنَا بِإِفْطَارِهَا، وَلِأَنَّهُ زَمَانٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ النَّفْلِ، فَلَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ كَزَمَانِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّهُ زَمَانٌ سُنَّ فِيهِ الرَّمْيُ، فَلَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ كَيَوْمِ النَّحْرِ فَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ الْحَجِّ قَضَاهَا فِيمَا بَعْدُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا خَرَجَتْ أَيَّامُ الْحَجِّ قَبْلَ صِيَامِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَلَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ، وَقَدْ كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَغْلَطُ فَيُخَرِّجُهُ قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يَدُّلُ مِنْ نَصِّ قَوْلِ أبي حنيفة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ) {البقرة: ١٩٦) فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي الْحَجِّ، وَأَتَى بِهَا فِيمَا بَعْدُ صَارَ قَاضِيًا، وَالْقَضَاءُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ قَضَاؤُهَا، بعد فوات وقتها لتعلق فعلها بزمان، ويجزيه مخصوص قِيَاسًا أَنَّهُ بَدَلٌ مُوَقَّتٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَوَاتُ وَقْتِهِ مُوجِبًا لِلْعَوْدِ إِلَى مُبْدَلِهِ كَالْجُمُعَةِ وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى فَاتَتْهُ أَيَّامُ الْعَشْرِ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَكَانَهَا، وَلِأَنَّهُ صَوْمٌ مَخْصُوصٌ بِزَمَانٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفُوتَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ فَجَازَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>