للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ يَقْضُونَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَأَخْبَرَ يَحْيَى أَنَّهُ قَضَى بِهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَضَى بِهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكُتِبَ بِهَا إِلَى خُلَفَائِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَمِثْلُ هَذَا الْعَمَلِ الْمَشْهُورِ إِذَا لَمْ يُعَارَضْ بِالْخِلَافِ كَانَ إِجْمَاعًا مُنْتَشِرًا، وَحِجَاجًا قَاطِعًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيَّ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ بِدْعَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ.

قِيلَ: قَوْلُ الزُّهْرِيِّ مَعَ عَمَلِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مَرْدُودٌ وَقِيلَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الزُّهْرِيَّ قَضَى بِهَا حِينَ وَلِيَ، وَالْإِثْبَاتُ الْمُوافِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنَ النَّفْيِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أحد المتداعيين، فجاز أن يكون اليمين فِي جَنَبَتِهِ، كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ أُصُولَ الْأَحْكَامِ موضوعة على أن اليمين تَكُونَ فِي جَنَبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَأَقْوَاهُمَا مَعَ عدم الشهادة جنبة المدعي عليه، لأن الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَإِذَا حَصَلَ مَعَ الْمُدَّعِي شاهد صار أقوى فوجب أن تكون اليمين فِي جَنَبَتِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا نُسِخَ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أوجه:

أحدهما: إِنَّ النَّسْخَ عِنْدَنَا رَفْعُ مَا لَزَمَ دَوَامُهُ، والنسخ عندهم أن يصير ما كان مجزءا، غير مجزىء، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَفْعُ مَا لَزَمَ دَوَامُهُ، فَيَكُونُ نَسْخًا عِنْدَنَا، وَلَا فِيهِمَا، إِنْ صار ما يجزىء غير مجزىء، فَيَكُونُ نَسْخًا عِنْدَهُمْ فَصِرْنَا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي هَذَا نَسْخٌ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّنَا قَدْ رَدَدْنَا عَلَى مَا فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ، إِنْ قَبِلْنَا فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَهُمْ قَبِلُوا شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ، وَحْدَهَا. فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ نَسْخًا لَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ نَسْخًا.

وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: إِنَّ مَا فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ التَّحَمُّلِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَدَاءِ دُونَ التَّحَمُّلِ، فَلَمْ تَصِرْ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ.

وَأَمَّا الجواب عن الخبرين فهو أن اليمين الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في جنبة المدعى عليه، هي غير اليمين الَّتِي جَعَلْنَاهَا فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعِي، لِاخْتِلَافِهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُهَا مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَجَوَازُهَا فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعِي.

وَالثَّانِي: أَنَّ تِلْكَ لِلنَّفْيِ، وَهَذِهِ لِلْإِثْبَاتِ فَلَمْ يَصِحَّ الْمَنْعُ، وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>