إِحْلَافُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَيْهَا، وَحُكِمَ لَهَا إِنْ حَلَفَتْ.
وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ أَنَّهُ صَرَّحَ لَهَا بِالْهِبَةِ، بَلْ قَالَتْ: نَوَاهَا وَأَرَادَهَا وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى هِبَةٍ فَاسِدَةٍ.
فَإِذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ: لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا أَقْبَضَهَا مِنْ حَالَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ صَدَاقِهَا، لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهَا دَرَاهِمَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِضَامِنِ صَدَاقِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ صَدَاقِهَا، لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهَا دَنَانِيرَ فَتَكُونُ الدَّنَانِيرُ لَهُ وَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهَا أَخَذَتِ الدَّنَانِيرَ بَدَلًا مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهَا أَحْلَفَهَا.
القول مَنْ أَبْرَأُ لِلزَّوْجِ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا دَفَعَهُ لولي الزوجة؟
[مسألة]
قال الشافعي: " وَيَبْرَأُ بِدَفْعِ الْمَهْرِ إِلَى أَبِي الْبِكْرِ صَغِيرَةً كانت أو كبيرةً التي يلي أبوها بعضها وَمَالَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:
اعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ إِذَا قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْلًى عَلَيْهَا أَوْ رَشِيدَةً.
فَإِنْ كَانَ مَوْلًى عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ: جَازَ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا، لِاسْتِحْقَاقِهِ الْوِلَايَةَ عَلَى مَالِهَا، وَلَوْ قَبَضَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْأَبُ إِلَى أَخْذِهِ مِنْهَا، فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً رَشِيدَةً فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ قَبْضُ مَهْرِهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ قَبَضَهُ بغير إذنها لم يبر الزوج منه، كما لو قبض لا دَيْنًا أَوْ ثَمَنًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بكراً بجبرها أَبُوهَا عَلَى النِّكَاحِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قبض مهرها إلا بإذنها، فإن قبضه بغير إذن لم يبر الزَّوْجُ مِنْهُ، وَجَعَلَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَبْضَ مَهْرِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّغِيرَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا مَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْهُ، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا دَيْنٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ الْأَبُ بِقَبْضِهِ مَعَ رُشْدِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ دَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا كَغَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْقَبْضَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَمَا أَثَّرَ فِيهِ النَّهْيُ كَحَالِهِ مَعَ الصَّغِيرَةِ، وَإِذَا أَثَّرَ فِيهِ النَّهْيُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَالْوَكِيلِ، وَاللَّهُ أعلم.