وَالثَّانِي: إِنَّ مَقْصُودَ الرَّمْيِ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْحَذْقِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَحْذَقَ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أنه مع التماثل أحذق.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِنْ سَبَقَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْغَرَضَ كَرِهْتُهُ فَإِنْ سَمَّيَاهُ كَرِهْتُ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْغَرَضُ فِي اللُّغَةِ، فَهُوَ اسْمٌ لِلْمُرَادِ بِالْفِعْلِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْإِرَادَةِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مَا اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَالْإِرَادَةُ قَدْ تَعُمُّ، فَتَكُونُ بِفِعْلٍ وَغَيْرِ فِعْلٍ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي النِّضَالِ وَلَهُ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَحَقِيقَةُ الْغَرَضِ فِي النِّضَالِ: مَحَلُّ الْإِصَابَةِ مِنَ الْهَدَفِ وَمَجَازُهُ فِي النِّضَالِ مَوْقِفُ الرَّامِي عِنْدَ رَمْيِ الْهَدَفِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَصِفَ الْغَرَضَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْإِصَابَةِ وَالْغَرَضَ الَّذِي هُوَ مَوْقِفُ الرَّامِي؛ لِيَكُوَنَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا أُرِيدَ بِهَا مِنْهُمَا مَعْلُومًا بَعْدَ تَفْسِيرِهِمَا وَمَعْرِفَتِهِمَا.
أَمَّا الْغَرَضُ فِي الْهَدَفِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْهَدَفَ هُوَ بِنَاءٌ يُنْصَبُ فِيهِ الْغَرَضُ، وَالْغَرَضُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَنٍّ وَجَرِيدٍ وَعُري وَمَعَالِيقَ.
فَالشَّنُّ هُوَ الْجِلْدُ.
وَالْجَرِيدُ: هُوَ الْخَشَبُ الْمُحِيطُ بِالشَّنِّ، حَتَّى يَنْبَسِطَ فِيهِ كَحَلْقَةِ الْمُنْخُلِ، وَأَمَّا الْعُرْي: فهو كالحلق حول الشن.
فأما الْمَعَالِيقُ: فَهِيَ أَوْتَارٌ يُشَدُّ بِهَا عُري الشَّنِّ إِلَى أَوْتَادٍ فِي الْهَدَفِ، وَفِي الشَّنِّ دَائِرَةٌ هِيَ أَضْيَقُ مِنْهُ، وَفِي الدَّائِرَةِ هِلَالٌ هُوَ أَضْيَقُ، وَفِي الْهِلَالِ خَاتَمٌ هُوَ أَضْيَقُ مِنْهُ، فَأَحْذَقُ الرُّمَاةِ مَنْ يَشْتَرِطُ إِصَابَةَ الْخَاتَمِ، فَلَا يحتسب له بإصابة الْهِلَالِ، وَمَا زَادَ ثُمَّ يَلِيهِ مَنْ يَشْتَرِطُ إِصَابَةَ الْهِلَالِ، فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِإِصَابَةِ الدَّائِرَةِ، وَمَا زَادَ، ثُمَّ يَلِيهِ مَنْ يَشْتَرِطُ إِصَابَةَ الدَّائِرَةِ، فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِإِصَابَةِ الشَّنِّ، وَمَا زَادَ ثُمَّ يَلِيهِ مَنْ يَشْتَرِطُ إِصَابَةَ الشَّنِّ، فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِبَقِيَّةِ الْغَرَضِ، وَمَا زَادَ ثُمَّ يَلِيهِ مَنْ يَشْتَرِطُ إِصَابَةَ الْغَرَضِ، فَيُحْتَسَبُ بِإِصَابَةِ الشَّنِّ، وَالشَّنِّ وَالْعُرَى، وَفِي الِاحْتِسَابِ لَهُ بِإِصَابَةِ الْمَعَالِيقِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْتَسَبُ بِهَا كَالْعُرَى.
وَالثَّانِي: لَا يُحْتَسَبُ بِهَا كَالْأَوْتَادِ وَلَهُمْ فِي مَحَلِّ الْغَرَضِ مِنَ الْهَدَفِ عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُهُ وَيُسَمُّونَهُ جَوَّانِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْفِضُهُ وَيُسَمُّونَهُ مَيْلَانِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَسَّطُ فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ نَطْحَانِيٌّ.
وَأَمَّا الْغَرَضُ فِي مَوْقِفِ الرَّامِي، فَهُوَ مَقَامُ الرَّامِي فِي اسْتِقْبَالِ الْهَدَفِ يَرْمِيهِ مِنْ مَسَافَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَقِلُّ الْإِصَابَةُ بِبُعْدِهَا، وَتَكْثُرُ بِقُرْبِهَا، وَيَحْتَاجُ فِي الْقَرِيبَةِ إِلَى الْقَوْسِ اللَّيِّنَةِ حَتَّى لَا يَمْرُقَ السَّهْمُ، وَفِي الْبَعِيدَةِ إِلَى الْقَوْسِ الشَّدِيدَةِ حَتَّى يَصِلَ السَّهْمُ.