وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطَّعَامِ مَجْهُولًا، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِشَيْءٍ اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ تَنَازَعَا وَاخْتَلَفَا نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةَ الْمُشْتَرِي قَدِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قول البائع في قدر ماله مِمَّا لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْبَائِعِ قَدِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ ماله مِمَّا لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَكَانَ أَعْرَفَ بِقَدْرِهِمَا مِنَ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحْدَثِ إِلَيْهِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْيَدِ فِيهِ كَانَتِ الْيَدُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً مِنَ الْيَدِ الْمُرْتَفِعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ وَالْأَصْلُ مَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَجَرٍ مُثْمِرٍ وَزَرْعٍ مُثْمِرٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنِ ابْتَاعَ أَرْضًا ذَاتَ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ لَمْ يَخْلُ حال ابتياعه من ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ دُخُولَ الْبَنَّاءِ وَالشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ لَفْظًا فَيَدْخُلُ.
وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ خُرُوجَهُ لَفْظًا فَيَخْرُجُ.
وَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَ الْعَقْدَ وَيَقُولَ ابْتَعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْأَرْضَ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَنَصَّ فِي الرَّهْنِ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ فَاقْتَضَى لِاخْتِلَافِ نَصِّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي المسألتين على ثلاثة طُرُقٍ:
إِحْدَاهَا: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصٍ الْوَكِيلِ أَنْ نَقَلُوا جَوَابَهُ فِي الْبَيْعِ إِلَى الرَّهْنِ وَجَوَابَهُ فِي الرَّهْنِ إِلَى الْبَيْعِ وَخَرَّجُوا الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ نَصِّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ جَمِيعًا كَمَا لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ تُسْتَبْقَى مُدَّةَ صَلَاحِهَا ثُمَّ تُزَالُ عَنْ نَخْلِهَا وَشَجَرِهَا فَصَارَتْ كَالشَّيْءِ الْمُتَمَيِّزِ فَلَمْ تَدْخُلْ إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَالْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ يُرَادُ لِلتَّأْبِيرِ وَالْبِنَاءُ يَجْرِي مَجْرَى أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَصَارَ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ اخْتِلَافَهُ اختلاف نصفه فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ.