للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنِ انْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَكَانَ تَحْتَ خَتْمِ أُمَنَاءِ الْكِتَابِ فَفِي جَوَازِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ، وَعَلَى هَذَا لَوِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ بِبَرَاءَةٍ أَحْضَرَهَا لَمْ يَبْرَأْ بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ اعْتِبَارًا بِعُرْفِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَكَمَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّاوِي عَلَى خَطِّهِ إِذَا تَحَقَّقَهُ، وَخَالَفَ مَا عَلَيْهِ الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا فِي دَوَاوِينِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ حُقُوقَ بَيْتِ الْمَالِ عَامَّةٌ، فَكَانَ حُكْمُهَا أَوْسَعَ، وَأَحْكَامَ الْقُضَاةِ خَاصَّةٌ، فَكَانَ حُكْمُهَا أَضْيَقَ.

وَالثَّانِي: إِنَّ حُقُوقَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَحِقُّهَا، وَيَتَعَذَّرُ مَنْ يَتَوَلَّى الْإِشْهَادَ فِيهَا، وَحُقُوقَ الْخُصُومِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، يَتَعَيَّنُ مُسْتَحِقُّهَا، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِشْهَادَ فِيهَا.

وَعَلَى هَذَا لَوِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ ببراءة أحضرها تقع في النفس صحتها برىء منها.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْإِمَامُ مَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ جِزْيَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ مُسْتَفِيضٍ، ولا شهادة خاصة، ولا ديوان موثوق، وبصحته أَوْ وَجَدَهُ، وَقُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَيَسْأَلَهُمْ عَنْ قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ أَفْرَادًا غَيْرَ مُجْتَمِعِينَ، فَإِذَا اعْتَرَفُوا بِقَدْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكَانَ مَعَهُمْ عَلَى مَا مَضَى، لَوْ صُولِحُوا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ

وَإِنِ اعْتَرَفُوا بِقَدْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً قَبِلَهُ مِنْهُمْ، وَلَهُمْ فِيهِ حَالَتَانِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَّفِقُوا جَمِيعًا عَلَى الْقَدْرِ، فَيَعْمَلَ عَلَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ بَعْدَ إِحْلَافِهِمْ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا، فَيُقِرُّ بَعْضُهُمْ بِدِينَارٍ، وَيُقِرُّ بَعْضُهُمْ بِأَكْثَرَ، فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ فِي دِيوَانِ الْجِزْيَةِ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ حِينَ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ صُلْحُهُمْ، فَاعْتَرَفُوا بِكَذَا وَكَذَا.

وَإِنِ اخْتَلَفُوا أَثْبَتَ أَسْمَاءَ الْمُخْتَلِفِينَ، وَمَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِقْرَارِهِ، وَأَنَّهُ أَمْضَاهُ بَعْدَ إِحْلَافِهِ، لِجَوَازِ أَنْ تَتَجَدَّدَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، يُخَالِفُهَا، فَيَحْكُمَ بِهَا، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَكْثَرِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>