وَإِسْقَاطُ الْحَدِّ، وَنَفْيُ النَّسَبِ، فَلَوْ نَطَقَ بَعْدَ خَرَسِهِ وَعَادَ إِلَى حَالِ الصِّحَّةِ، سُئِلَ عَنْ إِشَارَتِهِ بِالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ فِي حَالِ خَرَسِهِ وَفِي سُؤَالِهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُؤَالَهُ اسْتِظْهَارٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِإِشَارَتِهِ عَلَى ظَاهِرِ الصِّحَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَهُ وَاجِبٌ، لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ احْتِمَالًا يَلْزَمُ الْكَشْفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فإذا سئل كان له في الجواب ثلاثة أحوال: أحدهما: أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ فَيَسْتَقِرُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مُوَافِقًا لِحَالِ إِشَارَتِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْكِرَ الْقَذْفَ وَاللِّعَانَ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا رَجَعَ عَنْهُ بِالْإِنْكَارِ، فَصَارَ كَالنَّاطِقِ إِذَا لَاعَنَ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا لَهُ مِنَ التَّخْفِيفِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ التَّغْلِيظِ وَالَّذِي لَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ شَيْئَانِ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ، وَتَحْرِيمُ التَّأْبِيدِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا بِإِنْكَارِ اللِّعَانِ لِتُوَجُّهِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِ فِيهِمَا، وَالَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ شَيْئَانِ، وُجُوبُ الْحَدِّ، وَلُحُوقُ النَّسَبِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا بِإِنْكَارِ اللِّعَانِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ عِنْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ: أَنَا أُلَاعِنُ الْآنَ جَازَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ نُطْقًا، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ الْوَلَدُ، وَيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُقِرَّ بِالْقَذْفِ وَيُنْكِرَ اللِّعَانَ، فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الْقَذْفُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ، وَأَحْكَامُ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ، فَإِنْ أَجَابَ إِلَيْهِ كَانَ لِعَانًا ثَانِيًا بَعْدَ أَوَّلٍ تَتَأَكَّدُ بِهِ أَحْكَامُ اللعان الأول وإن لم يجب إليه، صَارَ كَالْمُنْكِرِ لِلْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ أحكامه ماله مِنَ الْحَدِّ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ تَغْلِيظًا بَعْدَ التَّخْفِيفِ، وَلَا يُعُودُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عَلَيْهِ من وقوع الفرقة، وتحريم التأييد، لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ بَعْدَ التَّغْلِيظِ، وَالْحُكْمُ فِي خَرَسِ الزَّوْجَةِ كَالْحُكْمِ فِي خَرَسِ الزَّوْجِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا فَالْتَعَنَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَنُفِيَ الْوَلَدُ إِنِ انْتَفَى مِنْهُ وَلَا تُحَدُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَنْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ ".
قَالَ الماوردي: إِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ فَجُنَّتْ قَبْلَ لِعَانِهِ، أَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ مَجْنُونَةٌ، فَحُكْمُ لِعَانِهِ مِنْهَا فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي حُكْمِ الْقَذْفِ، فَإِنْ قَذَفَهَا عَاقِلَةً ثُمَّ جُنَّتْ، وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ جُنُونِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْ قَذْفِهِ هَذَا نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَهُ، فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا فِي حَالَةِ جُنُونِهَا، وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ مِنَ الْعَاقِلَةِ، مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ، وَنَفْيِ الْوَلَدِ، وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَتَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ، لِتَعَلُّقِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute