للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيهِمْ، لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِنَذْرِهِ فَأَشْبَهَ تَطَوُّعَ الصَّدَقَاتِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَ نَذْرَهُ، فَلَا يَجْعَلُهُ مُخْتَصًّا بِمَصَالِحِ الْكَعْبَةِ، وَلَا مَصْرُوفًا فِي مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَيَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى الْمَسَاكِينِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ فِي الشَّرْعِ، فَكَانُوا أَحَقَّ بِقُرْبِ النَّذْرِ فَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ فِي مَتَاعِ النَّذْرِ، فَإِنْ كَانَ تَفْرِيقُهُ عَلَيْهِمْ مُمْكِنًا، وَنَافِعًا، كَالطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَجَبَ تَفْرِيقُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِيهِمْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، لِأَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ، فِيمَا اسْتُحِقَّ أَعْيَانُهُ لَا يَجُوزُ، كَالزَّكَوَاتِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُ فِيهِمْ لِأَنَّهُ بِغَيْرِهِ أَنْفَعُ كَالطِّيبِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْجَوْهَرِ، كَانَ حَقُّهُمْ فِي قِيمَتِهِ.

وَهَلْ يَلْزَمُ النَّاذِرَ بَيْعُهُ؟ أَوْ دَفْعُ قِيمَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي هَلْ يَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ؟ أَوْ بِثَمَنِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَصْرِفَ قِيمَتَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ لِجَوَازِ ابْتِيَاعِهِ بِأَكْثَرَ مَنْ قِيمَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ هَذَا الْمَتَاعِ بِأَكْثَرَ لِجَوَازِ أَنْ يَرْغَبَ فِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الْمَبْذُولِ فِيهِ جاز.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَهْدِيَ مَا لَا يُحْمَلُ مِنَ الْأَرَضِينِ وَالدُّورِ بَاعَ ذَلِكَ وَأَهْدَى ثَمَنَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا فِي حُكْمِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْسَامِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَنْقُولٍ، فَيَكُونُ الْهَدْيُ مُتَوَجِّهًا إِلَى قِيمَتِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَدْيِهِ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ مَصَالِحِ الْكَعْبَةِ، جَعَلْنَاهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ، أَوْ نِيَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ نَخْلًا فَأَثْمَرَ، فَإِنْ حَدَثَتْ ثَمَرَتُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ نَذْرِهِ، كَانَ الثَّمَرُ خَارِجًا مِنْ نَذْرِهِ، وَالزَّكَاةُ فِيهِ وَاجِبَةً، وَإِنْ حَدَثَتِ الثَّمَرَةُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ نَذْرِهِ كَانَ دَاخِلًا فِي نَذْرِهِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْقِلَ ثَمَنَهُ، أَوْ قِيمَتَهُ دُونَ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ، دُونَ عَيْنِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي مَوْضِعِ النَّذْرِ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ، فَإِنِ اسْتَهْلَكَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي أَكْثَرِ حَالَتَيْهِ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِهْلَاكِ، أَوْ مِنَ الْحَرَمِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِيصَالِهِ إِلَى الْحَرَمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>