فَإِنْ حَاضَ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا بِحَالٍ سَوَاءٌ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فَرْجَيْهِ مَعًا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ أَنَزَلَ وَحَاضَ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ وَالْإِنْزَالُ مِنْ فَرْجِهِ فلا يكون بلوغا لجواز أن يكون رجلا
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدَّمُ وَالْإِنْزَالُ مِنْ ذَكَرِهِ فَلَا يَكُونُ بُلُوغًا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْزَالُ مِنْ فَرْجِهِ وَالدَّمُ من ذكره فلا يكون بلوغا فجواز أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَلَا يَكُونُ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ ذَكَرِهِ بُلُوغًا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْزَالُ مِنْ ذَكَرِهِ وَالْحَيْضُ مِنْ فَرْجِهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ بُلُوغًا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِهِ وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً فَقَدْ حَاضَتْ مِنْ فَرْجِهَا.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ حَاضَ وَاحْتَلَمَ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا لَهُ ثَانِيًا كَمَا وَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ لَهُ أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ وَلَوْ حَاضَ أَوِ احْتَلَمَ فَأَسْقَطَ الْكَاتِبُ أَلِفًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ وَلَوْ حَاضَ وَاحْتَلَمَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا، فَأَمَّا بُلُوغُهُ بِالْإِنْبَاتِ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا كَانَ بُلُوغًا فِي الْمُشْرِكِينَ وَفِي المسلمين على ما ذكرنا.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فإذا أمر الله جل وعز بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ بِأَمْرَيْنِ لَمْ يُدْفَعْ إليهم إلا بهما وهو الْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَالرُّشْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً مَعَ إِصْلَاحِ الْمَالِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْيَتِيمُ لَا يَنْفَكُّ حَجْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فِي دِينِهِ وَمَالِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ فُكَّ حَجْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَذِّرًا.
فَيُسْتَدَامُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ يُفَكُّ حَجْرُهُ. وَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ. اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] .
فَذَكَرَ الرُّشْدَ مُنَكَّرًا فَاقْتَضَى رُشْدًا " مَا " وَصَلَاحُهُ لِمَالِهِ فِي حَالَة " مَا " نَوْعٌ مِنَ الرُّشْدِ.
وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ غَيْرُ مُبَذِّرٍ فَوَجَبَ أَنْ يُفَكَّ حَجْرُهُ كَالرَّشِيدِ فِي دِينِهِ.
وَلِأَنَّ بُلُوغَ الْكَافِرِ عَاقِلًا يُوجِبُ فَكَّ حَجْرِهِ مَعَ عَدَمِ الرَّشَادِ فِي دِينِهِ فَالْمُسْلِمُ إِذَا بَلَغَ