للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب عدة الوفاة)]

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الْآيَةَ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهَا عَلَى الْحُرَّةِ غَيْرِ ذَاتِ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ " قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ لَحَلَّتْ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا وَضَعَتْ حَلَّتْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِحَوْلٍ كامل قال الله: {والذي يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ " [البقرة: ٢٤٠] فَكَانَتِ الْعِدَّةُ سَنَةً وَلَهَا فِي الْعِدَّةِ النَّفَقَةُ فَنُسِخَتِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ، وَنُسِخَتِ السَّنَةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَقَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] فَصَارَ الْحَوْلُ بِهَا مَنْسُوخًا فَإِنْ قِيلَ: فَنَسْخُ الشُّهُورِ بِالْحَوْلِ أَوْلَى مِنْ نَسْخِ الْحَوْلِ بِالشُّهُورِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ آيَةَ الْحَوْلِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي التِّلَاوَةِ عَنْ آيَةِ الشُّهُورِ وَالْمُتَأَخِّرُ هُوَ النَّاسِخُ لِمَا تَقَدَّمَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَوْلَ أَعَمُّ مِنَ الشُّهُورِ وَأَزْيَدُ، وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِالنُّقْصَانِ قِيلَ: هَذَا لَا يَصِحُّ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ آيَةَ الشُّهُورِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ عَنْ آيَةِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا فِي التِّلَاوَةِ وَالنَّسْخِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْمُتَأَخِّرَةِ فِي التَّنْزِيلِ لَا بِالْمُتَأَخِّرَةِ فِي التِّلَاوَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تِلَاوَةً مَا تَأَخَّرَ تَنْزِيلُهُ وَتَتأَخَّرَ تِلَاوَةً مَا تَقَدَّمَ تَنْزِيلُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قبلتهم التي كانوا عليها} [البقرة: ١٤٢] نزل بَعْدَ قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ فِي التِّلَاوَةِ وَكَقَوْلِهِ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] مُتَقَدِّمٌ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى قَوْلِهِ {إن أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: ٥٠] وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ في التلاوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>