وَالظِّهَارُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَوُقُوعِهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يجتمعا على إسلام فِي الْعِدَّةِ حَتَّى انْقَضَتْ لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ وَلَا الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ؛ لِتَقَدُّمِ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي: " فإن أَسْلَمَ وَقَدْ نَكَحَ أُمًّا وَابْنَتَهَا مَعًا فَدَخَلَ بهما لم تحل له واحدةٌ منهما أبداً ولم لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِمَا قُلْنَا أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ وَفَارِقِ الْأُخْرَى وَقَالَ فِي موضعٍ آخَرَ يمسك الابنة ويفارق الأم (قال المزني) هذا أولى بقوله عندي وَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ وَقَالَ أَوَّلًا كَانَتِ الْأُمُّ أَوْ آخِرًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُشْرِكٍ تَزَوَّجَ فِي الشِّرْكِ أُمًّا وَبِنْتَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتَا مَعَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مَعَهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أحدها: أن يكون قد دخل بهما.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ دُونَ الْبِنْتِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِالْبِنْتِ دُونَ الْأُمِّ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَقَدْ حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا، لِأَنَّ دُخُولَهُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ لَوْ كان بشبهة فيكف نكاح؟ وَدُخُولُهُ بِالْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ لَوْ كَانَ بِشُبْهَةٍ فَكَيْفَ بِنِكَاحٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ نِكَاحُ الشرك معفو عنه فهلا كان الوطء في الشرك معفو عَنْهُ.
قِيلَ: لِأَنَّ الْوَطْءَ يَحْدُثُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى تَحْرِيمِ النَّسَبِ لِثُبُوتِ التَّحْرِيمِ فِيهِمَا عَلَى الْأَبَدِ، وَلَيْسَ يُعْفَى عَنْ تَحْرِيمِ النَّسَبِ، فَكَذَلِكَ لَا يُعْفَى عَنْ تَحْرِيمِ المصاهرة، وخالف العقد الذي تتخلف أحواله وينقطع زمانه.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي
: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِمَا وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِإِحْدَاهمَا سَوَاءٌ كَانَ قَدْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي عَقْدَيْنِ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْأُمُّ بِالْعَقْدِ أَوْ تَأَخَّرَتْ كَمَنْ نَكَحَ خَمْسًا في الشرك بخلاف ما قال أبو حنيفة فِي تَقْدِيمِ الْأَوَائِلِ عَلَى الْأَوَاخِرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي الَّتِي يَتَمَسَّكُ بِهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِنِكَاحِ الْبِنْتِ وَيُقِيمُ عليها ويحرم الْأُمُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " وفيما نقله المزني عنه؛ لأنه العفو عن مناكح الشرك تمنع من التزام أحكامها وتصير بالإسلام بِمَثَابَةِ الْمُبْتَدِئِ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فَعَلَى هَذَا إِنِ اخْتَارَ الْبِنْتَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ حِينَئِذٍ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ، وَإِنِ اخْتَارَ الْأُمَّ حَرُمَتِ الْبِنْتُ بِاخْتِيَارِ الْأُمِّ تَحْرِيمَ جَمْعٍ فَإِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرُمَتِ الْبِنْتُ تحريم تأبيد.