النَّاسُ وَيَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ وَيَمَسُّونَ مِنْ طِيبِهِمْ قَبْلَ أن يغدوا وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ قَطُّ (قال الشافعي) وأحب ذلك إلا أن يضعف فيركب ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ، أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا، لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مَا رَكِبَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في عيد ولا جنازة قط، ولأنه إذا مشى قصرت خطاه فكثر ثوابه، ولأن لا يُؤْذِيَ بِرُكُوبِهِ مَنْ جَاوَرَهُ أَوْ خَالَطَهُ، إِلَّا أَنْ يَضْعُفَ عَنِ الْمَشْيِ لِمَرَضِهِ أَوْ لِطُولِ طَرِيقِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا لِأَهْلِ الْجِهَادِ يَقْرُبُ مِنْ بَلَدِ الْعَدُوِّ فَرُكُوبُهُمْ وَإِظْهَارُ زِيِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ أَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْزَازِ الدِّينِ وَتَحْصِينِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الرَّاجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ مَشَى.
(فَصْلٌ)
: الْمُخْتَارُ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الزِّينَةِ، وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ وَلُبْسِ الْعَمَائِمِ، وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَتَنْظِيفِ الْجَسَدِ، وَأَخْذِ الشَّعْرِ وَاسْتِحْسَانِ الثِّيَابِ، وَلُبْسِ الْبَيَاضِ مَا يَخْتَارُهُ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ وَأَفْضَلُ، لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي جُمْعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِيدًا لَكُمْ فَاغْتَسِلُوا " فَلَمَّا أُمِرَ بِذَلِكَ فِي الْجُمْعَةِ تَشْبِيهًا بِالْعِيدِ كَانَ فِعْلُهُ فِي الْعِيدِ أَوْلَى.
(مَسْأَلَةٌ: الْقَوْلُ في وقت العيد)
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُوَافِي فِيهِ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ حِينَ تَبْرُزُ الشَّمْسُ وَيُؤَخَّرُ الْخُرُوجُ فِي الْفِطْرِ عَنْ ذَلِكَ قليلا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " أَنْ عَجِّلِ الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس " وروي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يلبس برد حبرة ويعتم في كل عيد ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَدَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ هُوَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَتَمَامُ طُلُوعِهَا فَذَلِكَ أَوَّلُ وَقْتِهَا، وَآخِرُهُ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لَهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى أَطْرَافِ الْجِبَالِ كَالْعَمَائِمِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّاهَا وَالشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ وَرُوِيَ قِيدَ رُمْحَيْنِ فَإِنْ صَلَّاهَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ سَوَاءً لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَأَمَّا الْوَقْتُ الَّذِي يُخْتَارُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute