إذا كانت الولادة بعد إحلافه عليها انبرام الْحُكْمِ فِيهَا فَلَمْ يَتَعَقَّبْ بِنَقْضٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ إِنَّ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ كَجُحُودِهِ لِوِلَادَتِهِ وَيَصِيرُ كَاخْتِلَافِهِمَا لَوْ لَمْ تَأْتِ بِوَلَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نِصْفَهُ وَسَوَّى بين جحوده وولادته وبين فيه، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي بَلْ حُكْمُ نَسَبِهِ قَدْ ثَبَتَ فَتَثْبُتُ بِهِ الْوِلَادَةُ، وَإِنَّمَا اسْتَأْنَفَ نَفْيَهُ بَعْدَ لُحُوقِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِمَنْ لَمْ يُلْحِقْ نَسَبَهُ فَاقْتَضَى أَنْ يُسْتَكْمَلَ بِهِ مَهْرُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " وَلَوْ خَلَا بِهَا فَقَالَ لَمْ أُصِبْهَا وَقَالَتْ قَدْ أَصَابَنِي وَلَا وَلَدَ فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَاخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الْإِصَابَةَ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نَصْفُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا، وَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا.
فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا لَمْ يَسْتَرْجِعِ الزَّوْجُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ يَأْخُذْ إِلَّا نِصْفَهُ لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْإِصَابَةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُنْكِرِهَا مَعَ يَمِينِهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِيهَا وَفِي وُجُوبِهَا الْيَمِينَ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْخَلْوَةَ كَالْإِصَابَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْخَلْوَةَ يَدٌ لِمُدَّعِي الْإِصَابَةِ، فَإِذَا قِيلَ: إِنِ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَالْجَوَابُ عَلَى مَا مَضَى عِنْدَ عَدَمِ الْخَلْوَةِ فِي اعْتِبَارِ حَالِ مَنْ أَنْكَرَ مِنَ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ.
وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعِي لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا إِذَا حَلَفَ الْعِدَّةُ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ وَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، لِأَنَّهَا وَإِنْ أَنْكَرَتِ الْإِصَابَةَ الْمُوجِبَةَ لِلنَّفَقَةِ فَقَدْ مُنِعَتْ بِالْعِدَّةِ مِنَ الزَّوْجِ فَاسْتَحَقَّتْ بِالْمَنْعِ النَّفَقَةَ.
فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا لَمْ يَسْتَرْجِعِ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ تَأْخُذْ إِلَّا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هِيَ الزَّوْجَةَ فَلَهَا إِذَا حَلَفَتْ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهَا.