وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " ضَحَّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَرَأَ " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ " الْآيَتَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَبْحِهَا أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهَا إِلَى جِهَةٍ فَكَانَتْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ أَفْضَلَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فَكَانَتِ الْقِبْلَةُ أَخَصَّ بِهَا كَالصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ سَفْحُ دَمٍ، وَإِلْقَاءُ فَرْثٍ، وَهِيَ أَنْجَاسٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيهُ الْقِبْلَةِ عَنْهَا أَوْلَى كَالْبُرُوزِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، قِيلَ: لَيْسَ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ طَاعَةٌ فَكَانَ صِيَانَةُ الْقِبْلَةِ عَنْهُ أَوْلَى، وَفِي ذَبْحِ الضَّحَايَا طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ فَكَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِهَا أَوْلَى، فَافْتَرَقَا، وَيَخْتَارُ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِذَبْحِ الضَّحَايَا وَبِكُلِّ ذَبِيحَةٍ فِيهَا لِلْفُقَرَاءِ نَصِيبٌ لِيَحْضُرُوا، فَيَنَالُوا مِنْهَا وَيَسْتَسِرُّ بِذَبْحِ مَا يُخْتَصُّ بِأَكْلِهِ مِنَ اللَّحْمِ لِيَقِلَّ فِيهِ التَّحَاشُدُ. التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَيَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى ذَبِيحَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي الضَّحَايَا وَاللَّحْمِ، وَعِنْدَ إِرْسَالِ الْجَوَارِحِ عَلَى الصَّيْدِ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا حَلَّتِ الذَّبَائِحُ وَصَيْدُ الْجَوَارِحِ.
وَقَالَ دَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: هِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا حَرُمَتْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا حَرُمَتْ وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا حَلَّتْ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ قَدْ مَضَى، وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ ".
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ إِنَّا نَذْبَحُ، وَنَنْسَى أَنْ نُسَمِّيَ اللَّهَ فَقَالَ: " اسْمُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مسلمٍ "؛ وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الذَّكَاةِ مَعَ الذِّكْرِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا مَعَ النِّسْيَانِ كَالصَّلَاةِ على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً.
وَيَخْتَارُ لَهُ فِي الضَّحَايَا خَاصَّةً أَنْ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا، لِأَنَّهَا فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ، فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ خَاتِمًا بِالْحَمْدِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهَا إيمانٌ بِاللَّهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute