للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْهَبَهَا، فَشَاوَرَ عُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّمٌ، فَشَاوَرَ عَلِيًّا عليه السلام وقال: إِنْ كَانَ صَاحِبَاكَ مَا اجْتَهَدَا فَقَدْ غَشَّا، وإن كان قَدِ اجْتَهَدَا فَقَدْ أَخْطَآ، عَلَيْكَ الدِّيَةُ فَقَالَ عمر لعلي: عزمت عليك ألا تَبْرَحَ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ. فَكَانَ سُكُوتُ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْجَوَابِ رُجُوعًا مِنْهُمَا إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِهِمْ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا أَحَدٌ يَمُوتُ فِي حَدٍّ يُقَامُ عليه فأجد فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ فَإِنْ مَاتَ فَدِيَتُهُ في بيت مال المسلمين، أَوْ قَالَ: عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَضْمُونٌ؛ وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَمَّا نَقَصَ عَنْ قَدْرِ الْحُدُودِ خَالَفَ حُكْمَهَا فِي الضَّمَانِ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ فَإِذَا ضَمِنَ الْإِمَامُ دِيَةَ التَّالِفِ بِالتَّعْزِيرِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَحَلِّهَا قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، وَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ.

وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي مَالِهِ.

وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ المال.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَإِذَا كَانَتْ بِرَجُلٍ سِلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أَوْ أَكَلَةٌ فَأَمَرَ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ فِي الْمُكْرَهِ وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَقِيلَ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا السِّلْعَةُ بِكَسْرِ السِّينِ فَهِيَ الْعُقْدَةُ الْبَارِزَةُ مِنَ الْبَدَنِ. وَأَمَّا السَّلْعَةُ بِفَتْحِ السِّينِ فَهِيَ الشَّجَّةُ الدَّاخِلَةُ فِي الرَّأْسِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي إِنْسَانٍ بِهِ سِلْعَةٌ، أَوْ أَكَلَةٌ، فَقُطِعَتْ مِنْهُ السِّلْعَةُ، أَوْ عُضْوُ الْأَكَلَةِ فَمَاتَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ جَائِزَ الأمر بالبلوغ والعقل لم يخل أن تقطع بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ قُطِعَتْ بِإِذْنِهِ، فَلَا قَوَدَ عَلَى قَاطِعِهَا سَوَاءٌ كَانَ قَطْعُهَا مُخَوِّفًا، أَوْ غَيْرَ مُخَوِّفٍ؛ لِأَنَّ فِي الْإِذْنِ إِبْرَاءً.

وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي دِيَةِ الْقَتِيلِ، هَلْ تَجِبُ لَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ أَوْ تَجِبُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟

فَإِنْ قِيلَ: تجب فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَا دِيَةَ عَلَى الْقَاطِعِ لِإِبْرَائِهِ مِنْهَا بِالْإِذْنِ.

وَإِنْ قِيلَ: تَجِبُ لِوَرَثَتِهِ بعد موته فعلى القاطع الدية، لأن المستبرئ منها غير

<<  <  ج: ص:  >  >>