أحدهما: الوجه؛ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا ضَرَبْتُمْ فَاتَّقُوا الْوَجْهَ) .
وَالثَّانِي: الْفَرْجُ؛ لِأَنَّ الْمَذَاكِيرَ قَاتِلَةٌ، فَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَا يَلْزَمُ اتِّقَاؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ أَنْ يُتَّقَى وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَيْهِ أَخْوَفُ.
وَأَمَّا التَّغْرِيبُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَأَمَّا الزَّمَانُ فقد قدره الشرع بسنة تَجْمَعُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أصحاب الشافعي: إلى مسافة يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي يقصر فيه وَيُفْطَرُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إِلَيْهِ أَهْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة أنه يغرب إلى حيث ينطلق عَلَيْهِ اسْمُ الْغُرْبَةِ وَتَلْحَقُهُ فِي الْمُقَامِ بِهِ مشقة ووحشة، سواء قصر فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَمْ تَقْصُرْ؛ لِأَنَّ المقصود بتغريبه خروجه عن أنسه بالأهل وَالْوَطَنِ إِلَى وَحْشَةِ الْغُرْبَةِ وَالِانْفِرَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ فِي تَغْرِيبِهِ إِلَّا أَنْ يَتَعَرَّضَ للزنا وإفساد الناس فيحبس كفا عن الفساد تعزيراً مستجداً، ومؤونته في غربته فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ كَأُجْرَةِ الجلاد، فإن أعوز بيت المال كانت فِي مَالِهِ كَمَا تَكُونُ فِيهِ أُجْرَةُ مُسْتَوْفِي الْحَدِّ مِنْهُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ، فَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي زَمَانِ التَّغْرِيبِ فَعَلَى نَفْسِهِ وَمِنْ كَسْبِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنَ الِاكْتِسَابِ وَلَا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ بمال يتجر به أو ينفقه، فإن أعوزه الْكَسْبَ فِي سَفَرِهِ كَانَ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَزِيدَ فِي مَسَافَةِ تغريبه على ما قدمناه جَازَ، فَقَدَ غَرَّبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ، وَغَرَّبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مِصْرَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَزِيدَ فِي زمان تغريبه على السَّنَةِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ السَّنَةَ نَصٌّ، وَالْمَسَافَةَ اجْتِهَادٌ، وَفِي أَوَّلِ السَّنَةِ فِي تَغْرِيبِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ وَقْتِ إِخْرَاجِهِ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ سَفَرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بَعْدَ حُصُولِهِ فِي مَكَانِ التَّغْرِيبِ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ:
أحدهما: بعد مفارقته لأنس الْوَطَنِ وَاعْتِزَالِ الْأَهْلِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ حَدُّ التغريب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute