يَكُونُ عَامًّا فِيهَا لِعُمُومِ مَعْنَاهَا، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَطْعِ حَظْرُ الْمَالِ فِي حَالِ السَّرِقَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْإِبَاحَةِ أَوْ تَعَقَّبَهُ مِنَ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّعَامَ مُبَاحٌ لِلْمُضْطَرِّ وَيُقْطَعُ فِيهِ بَعْدَ زَوَالِ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ فَرَدَّهُ قُطِعَ فِي سَرِقَتِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ إِبَاحَتِهِ كَذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ قَبْلَ السَّرِقَةِ ثُمَّ صَارَ مَحْظُورًا عِنْدَ السَّرِقَةِ وَفِيهِ انْفِصَالٌ عَنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرِ عُثْمَانَ فَرَاوِيهِ الزُّهْرِيُّ وَلَمْ يَلْقَهُ فَكَانَ مُرْسَلًا.
وَخَبَرُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَكَانَ مَطْعُونًا فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَطْعَنُ فِيهِ وَلَا يَعْمَلُ عَلَى حَدِيثِهِ، ثُمَّ يُحْمَلُ إِنْ صَحَّ عَلَى مَا كَانَ مُرْسَلًا مِنْ طَيْرٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ.
وَأَمَّا قياسهم عَلَى الْمَاءِ وَالتُّرَابِ تَعْلِيلًا بِإِبَاحَةِ أَصْلِهِ فَمُنْتَقَضٌ بالفضة والذهب، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَطْعِ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ فِي سَرِقَتِهِ إِذَا كَانَ مُحْرَزًا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، فَعَلَى هَذَا بَطَلَ الْأَصْلُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَتْبَعُ سَرِقَتَهُ إِلَّا فِي حَالٍ نادرة عند ضرورة تخالف حال الِاخْتِيَارَ فَلَمْ يَسْلَمِ الْأَصْلُ.
وَاحْتِجَاجُهُ بِأَنَّهُ تَافِهٌ دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ.
وَاحْتِجَاجُهُ بِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِمِقْدَارٍ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِجِنْسٍ مُنْتَقَضٌ عَلَى أَصْلِهِ بِالْمَهْرِ يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِجِنْسٍ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ أَنَّهُ قَدْرٌ تَتْبَعُهُ النُّفُوسُ وَلَمْ يُعْتَبَرِ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَجْنَاسِ تتبعها النفوس والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَالدِّينَارُ هُوَ الْمِثْقَالُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) .
قال الماوردي: وقد تَقَدَّمَ أَنَّ نِصَابَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مُقَدَّرٌ بربع دينار يقوم بذلك كل مسروق من دراهم وَغَيْرِهَا وَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا الدِّينَارُ شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَزْنُهُ.
وَالثَّانِي: نَوْعُهُ.
فَأَمَّا وَزْنُهُ فَهُوَ مِثْقَالُ الْإِسْلَامِ الْمُعَادِلُ كُلُّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ الَّتِي وَزْنُ كُلِّ درهم منها ستة دوانيق؛ لأنه كان فيما قَبْلَ الْإِسْلَامِ دِرْهَمَانِ أَكْبَرُهُمَا الْبَغْلِيُّ وَوَزْنُهُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَأَصْغَرُهُمَا الطَّبَرِيُّ وَوَزْنُهُ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ،