وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْفُوَ الْوَارِثُ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَكَانَ الْعَبْدُ، هَاهُنَا رَهْنًا عَلَى حَالِهِ يُقَدِّمُ الْمُرْتَهِنَ بِثَمَنِهِ عَلَى جَمِيعِ غُرَمَائِهِ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَوَدِ إِلَى الدِّيَةِ لِيُبَاعَ الْعَبْدُ فِيهَا فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ مَتَى تَجِبُ؟
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجِنَايَةَ صَارَتْ هَدَرًا لِعَفْوِهِ عَنِ الْقَوَدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَبْدُ رَهْنًا على حاله يقدم المرتهن بثمنه على جميع الْغُرَمَاءِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَدْ وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ فِيهَا فَإِذَا بِيعَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ الْمَأْخُوذُ مِنَ الدِّيَةِ مَضْمُونًا إِلَى التَّرِكَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُ السَّيِّدِ الرَّاهِنِ وَتُنَفَّذَ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي ثَمَنِهِ وَجَمِيعُ الْغُرَمَاءِ أُسْوَةً كما يكونوا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ أُسْوَةً.
(فَصْلٌ)
فَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَلَى ابْنِ سَيِّدِهِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ، وَمَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ فَوَرِثَهُ السَّيِّدُ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ثَانِيَةً، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ فَيُخْرِجَهُ مِنَ الرَّهْنِ وَيَبِيعَهُ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِهِ وَلَمْ يُمْتَنَعْ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا كان يستحقه الابن الوارث قائم مَقَامَ مُوَرِّثِهِ.
(فَصْلٌ)
إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سيده فللسيد أن يقتص منه إِنْ كَانَتْ عَمْدًا وَيَجِبَ عَلَيْهِ أَرْشُهَا إِنْ كَانَتْ خَطَأً بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَجِبُ لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ - إِذْ لَيْسَ يَمْلِكُ مَحَلَّ الْأَرْشِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَرْشِ لِسَيِّدِهِ سَقَطَ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْعَجْزِ عَبْدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ الْمَرْهُونُ عَلَى عَبْدٍ لَهُ آخَرَ مَرْهُونٍ فَلَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَالْمَالُ مَرْهُونُ فِي يَدَيْ مُرْتَهِنِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ الَّذِي بِهِ أَجَزْتُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِنَايَةَ مِنْ عُنُقِ عَبْدِهِ الْجَانِي ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَصُورَتُهَا فِي عَبْدٍ مَرْهُونٍ جَنَى عَلَى عَبْدٍ لِسَيِّدٍ آخَرَ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا أَوْ غَيْرَ مَرْهُونٍ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ غَيْرَ مَرْهُونٍ. فَلَا يَخْلُو حَالُ الْجِنَايَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمَالَ وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا تُوجِبُ القود فالسيد