فَلَوْ كَانَتْ مَعَهُ سِكِّينٌ، فَضَاعَتْ أَوْ غَصَبَهُ عَلَيْهَا غَاصِبٌ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكلْ، وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ سَبُعٌ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أُكِلَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ غَصْبِ السِّكِّينِ، وَبَيْنَ مَنْعِ السَّبُعِ أَنَّ غَصْبَ السِّكِّينِ وَضَيَاعَهَا عَائِدٌ إِلَيْهِ، وَمَنْعُ السَّبُعِ عَائِدٌ إِلَى الصَّيْدِ، فَلَوْ كَانَتِ السِّكِّينُ فِي قِرَابٍ قَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهَا فَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ خُرُوجُهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَكُونُ مَأْكُولًا؛ لِأَنَّ السِّكِّينَ فِي الْأَغْلَبِ تُصَانُ فِي قِرَابِهَا إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا، وَهَذَا عِنْدِي مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْقِرَابِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الْإِمْسَاكِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَانَ مَأْكُولًا، وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الْمَعْهُودِ فِي الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ.
وَلَوْ أَخْرَجَ السِّكِّيَنَ، وَتَشَاغَلَ بِإِحْدَادِهَا حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَلَوْ تَشَاغَلَ بِطَلَبِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مَأْكُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ طَلَبِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ بُدًّا، وَيَجِدُ مِنْ إِحْدَادِ السِّكِّينِ بُدًّا.
فَلَوْ شَكَّ فِي الصَّيْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ: هَلْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ، فَيَحِلُّ لَهُ كَالْمَجْرُوحِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ هُنَاكَ.
وَالثَّانِي: يَحِلُّ، وهو الأصح هاهنا.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وِهُوَ يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ وَإِنْ أَصَابَ غَيْرُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا رَأَى صَيْدًا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا، فَأَصَابَ غَيْرَهُ، وَقَتَلَهُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدَانِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فِي جِهَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمُصَابُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ مُعَرَّضًا بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ غَيْرَ ما أرسل عليه، فصار والكلب فِيهِ الْمُسْتَرْسَلُ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) {المائدة: ٤) ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلِأَنَّ تَعَيُّنَ الصَّيْدِ فِي الْإِرْسَالِ لَا يَلْزَمُ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ جَازَ، وَأَيُّهَا صَارَ حَلَّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِذَا سَقَطَ التَّعْيِينُ حَلَّ