للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا هُوَ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ وُقِفَ بِعَدَمِهَا كَالْبَيِّنَةِ.

(فَصْلٌ)

: وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ فَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُجَّةٌ لَهُ فِي النَّفْيِ، كَمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي حِجَّةٌ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ، فَلَمَّا كَانَ تَرْكُ الْمُدَّعِي لِحُجَّتِهِ مُوجِبًا لِلْعُدُولِ إِلَى يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِحُجَّتِهِ مُوجِبًا لِلْعُدُولِ إِلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ابْتِدَاءً، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مُوجِبًا لِلْعُدُولِ إِلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ، كَتَرْكِ الْبَيِّنَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا لَمْ يُوجِبْ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، قُلْنَا: التَّعْلِيلُ إِنَّمَا كَانَ لِلْحُجَّةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَبِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ابْتِدَاءً، وَلَيْسَتْ يَمِينُ الرَّدِّ مِنَ الْحُجَجِ الْمُبْتَدَأَةِ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِي التَّعْلِيلِ.

فَإِنْ قَالُوا: نَقْلِبُهَا، فَنَقُولُ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا لَمْ تُنْقَلْ إِلَى جَنَبَةِ صَاحِبِهِ، كَالْبَيِّنَةِ.

قُلْنَا: نَقُولُ بِهَذَا الْقَلْبِ، لِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ، وَهِيَ لَا تُنْقَلُ إِلَى الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا تُنْقَلُ إليه يمين الإثبات، وبينة المدعي للإثبات، وَنَقْلُهَا إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ، وَالْبَيِّنَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَالْيَمِينُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، فَصَحَّ قَلْبُنَا، وَفَسَدَ قَلْبُهُمْ.

وَلِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْيَمِينِ فِي جَنَبَةِ أَقْوَى الْخَصْمَيْنِ، وَأَقْوَاهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ،. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، مِمَّا ادُّعِىَ عَلَيْهِ وَثُبُوتُ مِلْكِهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، فَجُعِلَتِ الْيَمِينُ فِي جَنَبَتِهِ، فَلَمَّا نَكَلَ فِيهَا، صَارَ الْمُدَّعِي أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَنِ الْيَمِينِ شُبْهَةٌ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى، فَصَارَ الْمُدَّعِي بِهَا أَقْوَى مِنْهُ، فَاسْتَحَقَّتِ الْيَمِينُ فِي جَنَبَتِهِ، لِقُوَّتِهِ. [كَمَا ثَبَتَتْ فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَالَ ثُبُوتِ قُوَّتِهِ] ،

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا جَنَبَةٌ قَوِيَتْ عَلَى صَاحِبَتِهَا، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ النُّكُولِ، وَهِيَ حَالُ قُوَّتِهَا.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ بِنَائِهِمْ عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>