للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلٌ، وَهُوَ أَنَّ الرِّدَّةَ هَلْ يَزُولُ بِهَا مِلْكُ الْمُرْتَدِّ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: إِنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهِ مَا بَقِيَ حَيًّا حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يُقْتَلَ فَيَصِيرُ فَيْئًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِالرِّدَّةِ فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَجَدًّا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ عُلِمَ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ، عُلِمَ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلُ، وَدَبَّرَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا، ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ، كَانَ تَدْبِيرُهُ بَاقِيًا بَعْدَ الرِّدَّةِ. فَإِنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا، عَتَقَ بِمَوْتِهِ فَصَارَ بَاقِي مَالِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا، وَكَانَ وَلَاءُ مُدَبَّرهِ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ فَفِي إِبْطَالِ تَدْبِيرِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ تَدْبِيرٌ، فَإِنْ قِيلَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يُعْتَقِ الْمُدَبَّر، وَكَانَ عَلَى رِقِّهِ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ عَادَ الْمُدَبَّر إِلَى مِلْكِهِ، وَفِي عَوْدِهِ إِلَى التَّدْبِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ إِنْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ لَمْ يَعُدْ إِلَى التَّدْبِيرِ، وَإِنْ أُجْرِيَ مجرى العتق بالصفة، كان في عوده في التَّدْبِيرِ قَوْلَانِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَدْبِيرَهُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنْ عَقَدَ تَدْبِيرَهُ فِي مِلْكٍ يَجُوزُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ كَسَائِرِ عُقُودِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى رِدَّتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ صَارَ فِيهِ لِلْعَبْدِ حَقٌّ يُعْتَقُ بِهِ، فَلَمْ يَبْطُلْ عَلَيْهِ بِرِدَّةِ غَيْرِهِ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ قُتِلَ بِهَا، عَتَقَ مُدَبَّرهُ إِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ، وَلَمْ يَمْلِكْ سِوَاهُ فَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ - يُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي مَالِهِ مَقَامَ وَرَثَتِهِ، فَلَمْ يُعْتَقْ فِي حَقِّهِمْ إِلَّا أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ مِثْلَاهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُعْتَقُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِثْلَاهُ، لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ فَيْئًا لَا إِرْثًا، وَالثُّلُثُ مُعْتَبَرٌ فِي الميراث دون الفيء.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ دَبَّرَهُ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُوقَفُ فَإِنْ رَجَعَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَمَالُهُ فَيْءٌ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ رِدَّتَهُ صَيَّرَتْ مَالَهُ فَيْئًا. وَالثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالَهُ خَارِجٌ مِنْهُ إِلَّا بِأَنْ يَرْجِعَ وَهَذَا أَشْبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>