وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ في مَنَامِهِ كَأَنَّهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، وَكَأَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ، قَدِ انْثَلَمَ وَكَأَنَّ بَقَرًا تُذْبَحُ وَكَأَنَّهُ مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَأَخْبَرَ بِهَا أَصْحَابَهُ، وَتَأَوَّلَهَا أَنَّ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ هِيَ الْمَدِينَةُ، وَأَنَّ انْثِلَامِ سَيْفِهِ هِيَ مُصِيبَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ ذَبْحَ الْبَقَرِ هُوَ قَتْلٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَأَنَّ إِرْدَافَ الْكَبْشِ هُوَ كَبْشٌ الْكَتِيبَةِ، يَقْتُلُهُ اللَّهُ، فَصَحَّ تَأْوِيلُهَا، وَكَانَ الْكَبْشُ قِيلَ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ إِخْوَتَهَ بعده يَأْخُذُونَ اللواء فيقتلون وكان أبي بن خلف الجمحي بَرَزَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على فرس له بأحد حلف أن يقتل عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنا يقتله عليها إن شاء الله، وبرز إليه فرماه بحربة كسر بها أحد أضلاعه بجرح كالخدش، فَاحْتَمَلَ، وَهُوَ يَخُورُ كَالثَّوْرِ، وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ تَفَلَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي، وَمَاتَ بِسَرِفَ، ثُمَّ بَرَزَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ انْجِلَاءِ الْحَرْبِ فَنَادَى: أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ،؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: الْآنَ قُتِلَ مُحَمَّدٌ. وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَأُجِبْتُ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَسْمَعُ كَلَامَكَ فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ: أَلَا إِنَّ الْأَيَّامَ دُوَلٌ، وَالْحَرْبَ سِجَالٌ، يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَحَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ، يَعْنِي حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ الْمُقْتُولَ بِأُحُدٍ بِحَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْمُقْتُولِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمَرَ قُلْ لَهُ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَقَالَ أبو سفيان: لنا عزى، ولا عزى لكم؛ فقال النبي
لِعُمَرَ: قُلْ لَهُ: " اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ ".
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَانَتْ فِيكُمْ مُثْلَةٌ مَا أَمَرْتُ بِهَا، وَلَا نَهَيْتُ عَنْهَا، وَلَا سَرَّتْنِي، وَلَا سَاءَتْنِي، ثُمَّ وَلَّى وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ يَوْمِهِ، وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَلَمْ يُغَسِّلْ قَتْلَى أُحُدٍ، وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي مَصَارِعِهِمْ، فَدُفِنُوا فِيهَا إِلَّا مَنْ سَبَقَ حَمْلُهُ، وَدَفْنُهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ الثَّامِنِ مِنْ شَوَّالٍ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصُّبْحَ، وَأَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ لِطَلَبِ عَدُوِّهِمْ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مَعَهُ إِلَّا مَنْ شَهِدَ أُحُدًا وَسَارَ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْتَخَلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَسَارَ وَهُوَ مَكْلُومٌ إِرْهَابًا لِقُرَيْشٍ، حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَبِهَا قُرَيْشٌ يَتَآمَرُونَ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَنْهَاهُمْ إِلَى أَنْ سَارُوا إِلَى مَكَّةَ، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السَّنَةُ عَامَ أُحُدٍ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ وَقَائِعِهَا، وَكَانَ فِيهَا خَمْسُ غزوات، وسرية واحدة
[(فصل: [سرية قطن] )]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ فَأَسْرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَةِ الْمُحَرَّمِ وَأَسْرَى أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ إِلَى " قَطَنٍ " وَهُوَ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ فَيْدٍ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute