وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ صَلَّيْنَا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا وَإِنْ صَلَّيْنَا فِي بُيُوتِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ذَلِكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُقِيمٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّمَامُ كَمَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ خَلْفَ الْمُقِيمِ لَجَازَ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَقْصُرَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ
فَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْإِتْمَامُ عَزِيمَةٌ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ عَلَى صِفَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُقِيمِ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ وَالْأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ تَبَعًا لِإِمَامِهِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسَافِرِ تَرْكُ الرُّخْصَةِ وَالْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ تَبَعًا لِإِمَامِهِ عِنْدَ عَدَمِ الصِّفَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤْتَمٍّ بِمُتَمِّمٍ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَصْلَيْنِ فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي مُسَافِرٍ صَلَّى خَلْفَ مُسَافِرٍ وَاسْتَفْتَحَا الصَّلَاةَ جَمِيعًا بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ، فَعَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُتِمُّوا الصَّلَاةَ أَرْبَعًا، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُتِمُّوا لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ قَدِ انْعَقَدَتْ مَقْصُورَةً خَلْفَ مُسَافِرٍ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُمْ بِنِيَّةِ إِمَامِهِمْ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتَمِّمٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّمَامُ، أَصْلُهُ إِذَا أحرم بالصلاة خلف مقيم
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَحْرَمَ فِي مركبٍ ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ نَزَلَ فِي مَرْكَبٍ فِي بلد إقامته والمركب واقفاً قَدْ تَهَيَّأَ لِلسَّفَرِ، وَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خُطِفَ الْمَرْكَبُ وَسَارَ فَصَارَ الرَّاكِبُ مُسَافِرًا فِي حَالِ صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَصْرُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ فَجَوَّزَ لَهُ الْقَصْرَ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَوَجَبَ إِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الحضر، أصله إذا أنشأ صوم فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ وَجَبَ الْأَخْذُ بِالْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا
لَيْسَ لِرَاكِبِ السَّفِينَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ صَلَّى قَاعِدًا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَعَادَ إِذَا قَدَرَ
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَتِ السَّفِينَةُ مَرْبُوطَةً لَمْ تَجُزِ الْفَرِيضَةُ إِلَّا قَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً أَجْزَأتهُ الْفَرِيضَةُ قَاعِدًا تَعَلُّقًا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " فجوز
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute