الْمُسْلِمِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشافعي؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " وَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ إلا على أمته " ووجه شيئان:
أحدهما: أنه ولاية لَمْ تُسْتَحَقَّ بِمُوَالَاةِ النِّسَبِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ كَالْوِلَايَةِ بِالْحُكْمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ السَّيِّدَ يتوصل إِلَى الْكَسْبِ فَلَمْ يُؤَثِّرِ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمَا لم يؤثر الفسق.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ وَطَائِفَةٍ، إنَّ إِسْلَامَ السَّيِّدِ يَمْنَعُهُ مِنْ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ تَزْوِيجِ ابنته وَحَمَلَ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ " إِلَّا عَلَى أَمَتِهِ " عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا حِكَايَةٌ عَنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَإِمَّا عَلَى أَمَتِهِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعِهَا دُونَ بُضْعِهَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ فِي تَزْوِيجِهِ لَهَا تَغْلِيبًا لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ دُونَ الْكَسْبِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَإِنْ مَلَكَتْ عَقْدَ اكْتِسَابِهَا فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ: فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا نَقَلَهُ من استدلاله له بحديث أم حبيبة وتوهم أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِ لِأَمَتِهِ الْكَافِرَةِ وَهَذَا خَطَأٌ فِي التَّوَهُّمِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ الْمُسَلِّمَةَ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التوفيق.
[مسألة]
قال الشافعي: " فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا غَيْرَ عالم بموضع الحظ أو سفيماً مُؤْلِمًا أَوْ بِهِ علةٌ تُخْرِجُهُ مِنَ الْوِلَايَةِ فهو كمن مات فإذا صلح صار ولياً ".
قال الماوردي: وهذا صحيح وذكر الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ، فَقَالَ: " فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ سَفِيهًا " وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْمَجْنُونُ، لِأَنَّهُ سَفِيهُ الْعَقْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمُفْسِدُ لِمَالِهِ وَدِينِهِ؛ لِأَنَّهُ سَفِيهُ الرَّأْيِ.
فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَزَالَ الْجُنُونُ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُزِيلَ وِلَايَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ يُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَيُفِيقُ فِي زَمَانٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي زَمَانِ جُنُونِهِ، فَأَمَّا زَمَانُ إِفَاقَتِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فيه بليداً مغموراً فلا يَصِحُّ فِكْرُهُ وَلَا يَسْلَمُ تَمْيِيزُهُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي زَمَانِ إِفَاقَتِهِ كَمَا لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي زَمَانِ جُنُونِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَلِيمَ الْفِكْرِ صَحِيحَ التَّمْيِيزِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ زَمَانُ إِفَاقَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَانِ جُنُونِهِ فَلَهُ الْوِلَايَةُ فِي زَمَانِ الْإِفَاقَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ زَمَانُ إِفَاقَتِهِ أَقَلَّ مِنْ زَمَانِ جُنُونِهِ فَفِي عَوْدِ الْوِلَايَةِ إِلَيْهِ فِي زَمَانِ الْإِفَاقَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يعود إِلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا.