وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَجْعَلُ الطَّهَارَةَ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهَا قَائِمَةً مَقَامَ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُجْزِئَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ الَّتِي نَوَاهَا دُونَ الْجَنَابَةِ الَّتِي لَمْ يَنْوِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَإِنَّمَا لِكُلِ امرئٍ مَا نَوَى ".
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ اجْتَنَبَ بَعْدَهُ عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، وَلَمْ يُعِدْ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ، وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ: يُعِيدُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ تَنْظِيفٌ فَإِذَا تَعَقَّبَهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ زَادَهُ تَنْظِيفًا وَلَمْ يُعِدْهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وأحب الغسل من غسل الميت، وكذلك الغسل للأعياد سنةٌ اختياراً وإن ترك الغسل للجمعة والعيد أجزأته الصلاة وإن نوى الغسل للجمعة والعيد لم يجزه من الجنابة حتى ينوى الجنابة وَأَوْلَى الْغُسْلِ أَنْ يَجِبَ عِنْدِي بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ مُفْضِيًا إِلَيْهِ وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلت به ثم غسل الجمعة ولا نرخص في تركه ولا نوجبه إِيجَابًا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) إِذَا لم يثبت فَقَدْ ثَبَتَ تَأْكِيدُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَسَّ خِنْزِيرًا أَوْ مَسَّ مَيْتَةً أَنَّهُ لَا غُسْلَ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا غُسْلَ مَا أَصَابَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ؟ ! ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَوَاجِبٌ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مَنْ غُسْلِهِ وَالْوُضُوءُ من مسه فقد روى صالح مولى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ مَسَّهُ مفضياً إليه فليتوضأ ".
قال الشافعي رضي الله عنه: إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْتُ بِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا، فَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّةً مَعَ ضَعْفِ الْحَدِيثِ؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَلَهُ، وَكَذَلِكَ صَحَابَتُهُ، رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أربعٍ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الْحِجَامَةِ وَمِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute