بالجناية فكيف تجني أمة غيره ويكون بعض الغرم عليه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ وَجَبَ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْدِيَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُدَ شَذا عَنِ الْجَمَاعَةِ وَأَوْجَبَا أَرْشَ جِنَايَتِهَا فِي ذِمَّتِهَا تُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨] وَلِأَنَّهَا إِنْ جَرَتْ مَجْرَى الْإِمَاءِ لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ الْفِدَاءُ، وَإِنْ جَرَتْ مَجْرَى الْأَحْرَارِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ، فَلَمَّا حَرُمَ بَيْعُهَا صَارَتْ كَالْأَحْرَارِ فِي تَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِذِمَّتِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّقِّ تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِرَقَبَتِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ قَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَنْعِهِ مِنْ بَيْعِ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ يَصِيرُ بِالْمَنْعِ ضَامِنًا لِجِنَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِثَمَنِهَا بِالْإِيلَاءِ كَمَا يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا لِثَمَنِ عَبْدِهِ بِالْقَتْلِ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ ضَمِنَهَا، كَذَلِكَ إِذَا جَنَتْ أَمَتُهُ بَعْدَ إِيلَادِهَا ضَمِنَ جِنَايَتِهَا وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ ضَمَانِ السَّيِّدِ لِجِنَايَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهَا لِتَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِبَدَنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عُفِي عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَفْدِيَهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا أَقَلَّ ضَمِنَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَمْ يَضْمَنْ إِلَّا قَدْرَ قِيمَتِهَا، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِيلَادَ كَالْمُسْتَهْلِكِ لَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ إِلَّا قَدْرَ قِيمَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ عَبْدِهِ الْجَانِي ضَمِنَ جَمِيعَ الْجِنَايَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَلَّا كَانَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ؟
قِيلَ: لِأَنَّهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ مُفَوِّتٌ لِرَغْبَةِ رَاغِبٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ مَكَّنَ مِنْ بَيْعِهِ فَجَازَ أَنْ يَضْمَنَ جَمِيعَ جِنَايَتِهِ، وَلَيْسَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَثَابَتِهِ لِعَدَمِ هَذِهِ الرَّغْبَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْإِجَابَةُ إِلَيْهَا فَافْتَرَقَا.
فَإِذَا غَرِمَ فِي جِنَايَتِهَا أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ جَنَتْ بَعْدَهُ عَلَى آخَرَ نُظِرَ فِيمَا غَرِمَهُ السَّيِّدُ لِلْأَوَّلِ مِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَلْفٌ وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا خَمْسُمِائَةٍ لَزِمَ السَّيِّدَ أَنْ يَغْرَمَ لِلثَّانِي أَرْشَ جِنَايَتِهِ إِذَا كَانَ بِقَدْرِ الْبَاقِي مِنْ قِيمَتِهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرْشُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَمَا دُونَ، وَإِنْ كَانَ مَا غَرِمَهُ لِلْأَوَّلِ مِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ هُوَ جَمِيعُ قِيمَتِهَا وَهِيَ أَلْفٌ، فَإِذَا جَنَتْ عَلَى الثَّانِي فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ: يَضْمَنُهَا كَضَمَانِ الْأَوَّلِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا وَيَعْلَمُ لِلْأَوَّلِ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا قَدْ عَادَتْ بَعْدَ الْفِدَاءِ إِلَى مَعْنَاهَا الْأَوَّلِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا كضمانه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute