[(باب القصاص بغير السيف)]
[(مسألة)]
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِنْ طَرَحَهُ فِي نَارٍ حَتَّى يَمُوتَ طُرِحَ فِي النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِجَمِيعِ مَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِ حَدِيدٍ، وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنْ لَا قِصَاصَ إِلَّا فِي الْقَتْلِ بِالْحَدِيدِ وَالنَّارِ، وَلَا قَوَدَ فِي الْقَتْلِ، بِمُثَقَّلَاتٍ وَغَيْرِهَا إِلَّا بِمُثَقَّلِ الْحَدِيدِ وَحْدَهُ، فَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ بِالْحَدِيدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ كَانَ الْوَلِيُّ مُخَيَّرًا فِي اسْتِيفَائِهِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْحَدِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَتَلَهُ بِمُثَقَّلِ الْحَدِيدِ أَوْ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْهُ إِلَّا بِمُحَدَّدِ الْحَدِيدِ دُونَ مُثَقَّلِهِ، وَدُونَ النَّارِ، اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا قَوَدَ إِلَّا بِحَدِيدَةٍ ".
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَّقَ قَوْمًا بِالنَّارِ ادَّعَوْهُ إِلَهًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْعَبَّاسِ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَقْتُلْهُمْ إِلَّا بِالسَّيْفِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ "، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ وَكَالْقَاتِلِ بِالسَّيْفِ، وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ النُّفُوسِ الْمُبَاحَةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالْمُحَدَّدِ كَالذَّبَائِحِ، مَعَ أَنَّ نُفُوسَ الْآدَمِيِّينَ أَغْلَظُ حُرْمَةً مِنْ نُفُوسِ الْبَهَائِمِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: ١٩٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute