للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بمشهد الْمُوَكِّلِ فَيَصِحُّ الْوَكِيلُ، لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي مُبَاشَرَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُوَكِّلُ هُوَ الْمُسْتَوْفِي.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ، فَظَاهِرُ مَا قَالَهُ هَاهُنَا صِحَّةُ الْوِكَالَةِ، وَظَاهَرُ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ " الْوِكَالَةِ " فَسَادُهَا، فَخَرَّجَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَسَادُهَا.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ جَوَازِهَا وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، وَمَنْ عَدَلَ بِهِمَا مِنْ أصحابنا إلى اختلاف تأويلين، وعلى كلى الْقَوْلَيْنِ مِنْ صِحَّةِ الْوِكَالَةِ وَفَسَادِهَا إِذَا اسْتَوْفَاهُ الْوَكِيلُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ مُوَكِّلِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ عَنْ إِذْنِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقِصَاصِ، ثُمَّ يَعْفُوَ عَنْهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ الْوَكِيلُ مِنْهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ اقْتِصَاصِ الْوَكِيلِ، فَيَكُونُ عَفْوُهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ عَفْوَهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَعَفْوِهِ عَنْ دَيْنٍ قَدِ اسْتَوْفَاهُ وَكِيلُهُ وَيَكُونُ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَاطِلًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْفُوَ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ الْوَكِيلُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ الْوَكِيلِ أَبْعَدَ مِنْ زَمَانِ الْعَفْوِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَيَعْفُوَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقِصَاصِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَيَكُونُ عَفْوُهُ بَاطِلًا لَا حُكْمَ لَهُ كَمَا لَوْ رَمَى سِلَاحَهُ عَلَى المتقص مِنْهُ، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ وُصُولِ السِّلَاحِ إِلَيْهِ كَانَ عَفْوُهُ هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ الْوَكِيلِ أَقْصَرَ مِنْ زَمَانِ الْعَفْوِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ عَلَى مَسَافَةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَيَعْفُوَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ اقْتِصَاصِ الْوَكِيلِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيلُ بِعَفْوِ مُوَكِّلِهِ قَبْلَ الْقِصَاصِ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْإِذْنِ وَيَصِيرُ قَاتِلًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ عَلَى حَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْقَوْلَيْنِ:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَعْلَمَ الْوَكِيلُ بِعَفْوِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَقْتَصَّ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ حَالَةَ إِبَاحَةٍ، فَكَانَتْ أَقْوَى شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عليه قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>