(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فَعَلَى ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ حَاجَةٌ، فَإِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهُمْ لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَأْمَنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِحُسْنِ نِيَّاتِهِمْ فَإِنْ خَافُوا لَمْ يَجُزْ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْمُشْرِكِينَ كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَإِنْ وَافَقُوهُمْ لَمْ يَجُزْ، فَإِذَا خَرَجُوا مَعَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ اجْتَهَدَ وَالِي الْجَيْشِ رَأْيَهُ فِيهِمْ فَإِنْ كَانَ أَفْرَادُهُمْ مُتَمَيِّزِينَ أَصْلَحَ لِتَعَلُّمِ نِكَايَتِهِمْ، أَفْرَدَهُمْ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ، إِمَّا فِي حَاشِيَةِ الْعَسْكَرِ، أَوْ مِنْ أَمَامِهِ، أَوْ مِنْ وَرَائِهِ، إِنْ كَانَ اخْتِلَاطُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْلَى؛ لِئَلَّا تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ خَلَطَهُمْ بِهِمْ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ أَوْلَى مِنَ الْقَطْعِ بِأَحَدِهَا.
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي: " وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُعْطَى الْمُشْرِكُ مِنَ الْفَيْءِ شَيْئًا وَيُسْتَأْجَرَ إِجَارَةً مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ الِإمَامُ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَالُهُ مَعَهُمْ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَوْلَاهَا بِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَعْقِدُهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمْ نِيَابَةً عَنْ جَمِيعِهِمْ، فَتَصِحُّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَزِمَهُ الثَّبَاتُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَالْمُشْرِكَ إِذَا شَهِدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّبَاتُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَزِيدَ الْأُجْرَةُ عَلَى سَهْمِ رَاجِلٍ وَفَارِسٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَمَا لَا يَبْلُغُ بِرُضْخٍ صَبِيٌّ وَلَا عَبْدٌ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أُجْرَةٌ فِي عَقْدِ إِجَارَةٍ فَلَمْ تَتَقَدَّرْ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْغَنِيمَةِ أَكْبَرَ مِنْ سَهْمِ رَاجِلٍ وَفَارِسٍ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَعَهُمْ قَبْلَ الْمَغْنَمِ، وَسِهَامُ الْغَانِمِينَ الْمُسْتَحَقَّةُ مِنْ بَعْدُ مَجْهُولَةٌ تَزِيدُ بِكَثْرَةِ الْغَنَائِمِ وَتَنْقُصُ بِقِلَّتِهَا فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي عَقْدٍ تَقَدَّمَهَا فَإِذَا شَهِدُوا الْوَقْعَةَ أَخَذُوا بِالْقِتَالِ جَبْرًا، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرِ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ إلا عند ظهور لعدو وَاسْتِيلَائِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ قِتَالَ الْمُشْرِكِ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ