للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على تقدمه وقت الشهادة، ولا سيما ويتحفظ الْإِنْسَانُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَحَفُّظِهِ قَبْلَهَا.

وَلِأَنَّ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ لَا يَهْتِكَهُمْ بِأَوَّلِ الذَّنْبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ أَنْ يَهْتِكَ عَبْدَهُ بِأَوَّلِ خَطِيئَةٍ، فَإِذَا أَظْهَرَهَا دَلَّتْ عَلَى تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ.

وَلِأَنَّ ظُهُورَهَا يُوجِبُ الِاسْتِرَابَةَ بِمَا تَقَدَّمَهَا وَظُهُورِ الرِّيبَةِ فِي الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا.

( [الْقَوْلُ فِي صَيْرُورَةِ الشُّهُودِ وَرَثَةً] )

(فَصْلٌ)

: وَلَوْ شَهِدَ الْعَدْلَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَوَرِثَهُ الشَّاهِدَانِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا، رُدَّتِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهمَا قَدْ صَارَا شَاهِدَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يحكم للإنسان بشهادة لنفسه.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ حَكَمَ بِهَا وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ نَرُدُّهُ لِأَنِّي إِنَّمَا أَنْظُرُ يَوْمَ يَقْطَعُ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحُدُوثُ فِسْقِهِمَا بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْدُثَ الْفِسْقُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا سَوَاءً كَانَ فِي حُقُوقٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوِ الْآدَمِيِّينَ، وَبِخِلَافِ حُدُوثِ الْفِسْقِ قَبْلَ الْحُكْمِ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ مِنَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ النَّافِذِ بِشَهَادَتِهِمَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ تَغَيُّرَ الْحَالِ قَبْلَ نُفُوذِ الْحُكْمِ مُخَالِفٌ لِتَغَيُّرِهَا بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ. لِأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ فِي الْحُكْمِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى حُكْمٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ، نَقَضَهُ قَبْلَ نُفُوذِ حُكْمِهِ. وَلَمْ يَنْقُضْهُ بَعْدَ نُفُوذِ حُكْمِهِ، فَأَوْجَبَ هَذَا الْفَرْقُ فِي تَغْيِرِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ. وُقُوعَ الْفَرْقِ فِي الْفِسْقِ بِحُدُوثِهِ قَبْلَ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ.

فَهَذَا حُكْمُ أَحَدِ الضَّرْبَيْنِ فِي حُدُوثِ الْفِسْقِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِ إِمْضَائِهِ فِي جَمِيعِ الحقوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>