بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَوَقَعَ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ من غير أن تنقض بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهَا الْأَلْفَ الَّتِي بَذَلَهَا فَلَوْ كَانَ حِينَ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَجَابَهَا بِالْفَسْخِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ لَهَا: قَدْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا إِلَّا بِعَيْبٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ فَسْخًا يَقُومُ مَقَامَ الْخُلْعِ، لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ الْخُلْعُ وَكَانَ فَسْخًا أَوْلَى أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ بِصَرِيحِ الْفَسْخِ، وَيَكُونَ خُلْعًا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ: افْسَخْ نِكَاحِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدْ فَسَخْتُهُ كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فِي الْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ لَفْظُهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَهَذَا عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَسْأَلَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ فَيُجِيبُهَا بِكِنَايَةٍ، مِثْلَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَيَقُولَ لَهَا: قَدْ أَبَنْتُكِ أَوْ حَرَّمْتُكِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، فَلَا خُلْعَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ صَرِيحَ الطَّلَاقِ فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى كِنَايَتِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُجِيبًا إِلَى مَا سَأَلَتْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَلَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ يَقُومُ مَقَامَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَسْأَلَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ فَيُجِيبَهَا بِالْخُلْعِ، كَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَدْ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَاسْتَحَقَّ الْبَدَلَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَجَابَهَا بِصَرِيحٍ عَنْ صَرِيحٍ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخُلْعَ كِنَايَةٌ، فَهُوَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ إِجَابَتِهِ عَنِ الصَّرِيحِ بِالْكِنَايَةِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ، وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فِيمَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْأَقْسَامِ كُلِّهَا لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا بِحُكْمٍ مَخْصُوصٍ فَعَلَى هَذَا فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ وَقَعَتْ، لِأَنَّ كِلَا اللَّفْظَيْنِ صَرِيحٌ فِي الْفُرْقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَكُونُ جَوَابًا إِلَى مَا سَأَلَتْ، لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ طَلَاقًا يَنْقَضِي بِهِ مَا مَلَكَهُ عَلَيْهَا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَأَجَابَهَا إِلَى فَسْخٍ لَا يَنْقَضِي بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، فَصَارَ مُجِيبًا إِلَى غَيْرِ مَا سَأَلَتْ، فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ به البدل.