بِتَأْخِيرِهِ وَفَقْدُ النَّفَقَةَ لَا يَقُومُ مَعَهُ بَدَنٌ وَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ صَبْرٌ فَافْتَرَقَا فِي الْخِيَارِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ:
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إِنَّ لَهَا الْخِيَارَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ بُضْعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ مُسْتَهْلَكٌ فَسَقَطَ خِيَارُهَا كَمَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ، وَهُوَ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْرُ مُسْتَهْلَكٍ فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مَعَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعْدَ الدُّخُولِ كَانَتْ يَدُهَا فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَقْوَى فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْإِعْسَارِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَضْعَفُ فَسَقَطَ خِيَارُهَا فِي الْإِعْسَارِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ قِيلَ لَا خِيَارَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ تَرْجِعُ بِهِ مَتَى أَيْسَرَ، وَتُنْظِرُهُ بِهِ مَا أَعْسَرَ، وَالْقَوْلُ فِي الْمَعْسَرَةِ بِهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ قِيلَ لَهَا الْخِيَارُ كَانَ خِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ التَّنَازُعِ فِيهِ إِلَى الْحَاكِمِ، لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ، فَإِنْ أَمْسَكَتْ عَنْ مُحَاكَمَتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِإِعْسَارِهِ نُظِرَ. فَإِنْ كَانَ إِمْسَاكُهَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَاقِ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنَ الْخِيَارِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوسِرَ بِهِ عِنْدَ مُطَالَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ إِمْسَاكُهَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ سَقَطَ خِيَارُهَا، وَكَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ مُحَاكَمَتِهِ رِضًا بِإِعْسَارِهِ، وَلَوْ حَاكَمَتْهُ وَعَرَضَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ الْفَسْخَ وَخَيَّرَهَا فِيهِ فَاخْتَارَتِ الْمُقَامَ مَعَهُ سَقَطَ خِيَارُهَا، فَإِنْ عَادَتْ تُحَاكِمُهُ وَتَطْلُبُ فَسْخَ نِكَاحِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْمُحَاكَمَةُ الْأُولَى بَعْدَ الدُّخُولِ لَاسْتَوَى إِعْسَارُهُ فِي الْحَالَيْنِ، فَسَقَطَ حُكْمُ الْخِيَارِ فِيهِ مَعَ الرَّضَا بِهِ كَالْخِيَارِ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُحَاكَمَةُ الْأُولَى وَالرِّضَا فِيهَا بِالْمُقَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُحَاكَمَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا لِلْخِيَارِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا لَوْ كَانَتِ الْمُحَاكَمَتَانِ بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهَا الْخِيَارُ فِي مُحَاكَمَتِهِ بَعْدَ الْأُولَى وَإِنْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لِأَنَّ مِلْكَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَدْ كَانَ مُسْتَقِرًّا عَلَى نِصْفِهِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى جَمِيعِهِ، فَصَارَ إِعْسَارُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِحَقٍّ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَجَازَ أَنْ تَسْتَجِدَّ بِهِ خِيَارًا لَمْ يَكُنْ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اخْتَارَتِ الْمُقَامَ مَعَهُ فَمَتَى شَاءَتْ أَجَّلَ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ عَفْوٌ عَمَّا مَضَى ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute